ألمانيا تقود مسعى لإضفاء شرعيةٍ عملية على طالبان مقابل تسهيل الترحيل

بينما تُؤكد الحكومة الألمانية أنها لا تعترف رسميًا بحكومة طالبان، تتّجه سياساتها على الأرض إلى نسج علاقةٍ مباشرة مع سلطات كابول لتحقيق هدف داخلي ملحّ: ترحيل مزيد من الأفغان، بدءًا بالمدانين بجرائم، وربما لاحقًا مَن لا يحملون وضع حماية.

ويشي هذا التحوّل، الذي حظي بمتابعة لصيقة من عواصم أوروبية أخرى، بظهور واقعية سياسية جديدة في ملف الهجرة عنوانها “التعامل من دون اعتراف”.

وبعد رحلتي ترحيل نُظِّمتا بوساطة قطرية (إحداهما هذا الصيف وشملت 81 مُدانًا)، تسعى برلين الآن إلى تعامل مباشر مع طالبان “لزيادة عدد الرحلات الجوية المنتظمة”.

ومن أجل تنسيق الإجراءات القنصلية، سمحت السلطات الألمانية لممثلين من طالبان بالعمل داخل القنصليات الأفغانية في ألمانيا—في خطوة تعدّ الأولى داخل الاتحاد الأوروبي.

الهدف المعلن: تجاوز عائق غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية الذي كان يُقيّد عمليات الإبعاد.

مقايضة صريحة: تعاون مقابل شرعية أمر واقع

تتطلع طالبان، التي تعاني عزلة دولية، إلى أي إشارة تُكسِبها شرعية أمر واقع: حضورٌ قنصلي، قناة اتصال حكومية، علمٌ مرفوع على مبنى رسمي.

في المقابل، تريد برلين قابلية تشغيل: وثائق سفر بسرعة، تسلّم مرحّلين، وضمانات أمنية في المطار. ويُحذّر خبراء من أن الحركة اعتادت رفع سقف المتطلبات بعد كل تنازل يُقدَّم لها، ما قد يفضي إلى مطالب سياسية إضافية كلّما توسّعت رحلات الترحيل.

وداخل الاتحاد الأوروبي، تُبدي النمسا وبلجيكا استعدادًا لمحاكاة النهج الألماني، بما في ذلك التفكير في رحلات مشتركة وإسناد لوجستي متبادل.

وفي كواليس اجتماعات وزراء الداخلية، تُطرح أسئلة عملية: من يتولّى التفاوض؟ كيف تُدار مسئولية السلامة والقبول في كابول؟ وكيف تُوزَّع الكلفة والمخاطر القانونية؟

“واقعية” داخلية تحت ضغط سياسي

يأتي التحوّل الألماني في ظل ضغوطٍ داخلية كثيفة: التزامٌ انتخابي من المحافظين بزعامة المستشار فريدريش ميرز بـخفض أعداد الوافدين، وسباق ضارٍ مع حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) على أجندة الأمن والهجرة.

وتعتبر الحكومة أن موقفها يُعالج “فجوة التنفيذ” بين قرارات اللجوء والقدرة الفعلية على الإبعاد، بعدما أصبحت الطلبات الأفغانية ثاني أكبر كتلة بعد السوريين.

على الجانب المقابل، تُذكّر منظمات حقوق الإنسان وهيئات أممية بمبدأ عدم الإعادة القسرية: أي إعادة أشخاص إلى بلد قد يتعرضون فيه لخطر الاضطهاد أو التعذيب تمثل انتهاكًا للقانون الدولي.

ويضاعف المخاوفَ دخولُ ممثلي طالبان إلى القنصليات داخل ألمانيا، حيث تُحفَظ بيانات بيومترية وحسّاسة لملايين الأفغان، بينهم مستفيدون من برامج إجلاء وإعادة توطين. الوصول إلى هذه السجلات قد يمنح الحركة قدرة تعقّبٍ وانتقام داخل أفغانستان وخارجها، ويرفع كلفة المخاطر على المعارضين وأسرهم.

أمن مقابل أمن: معادلة شائكة

تعِد طالبان، عبر مسؤوليها الأمنيين، بالتعامل “وفق الشريعة” مع المُرحّلين المدانين، وهو خطاب يثير قلقًا مضاعفًا: كيف تُراقَب المعاملة فور الوصول؟ وهل توجد آلية تحقق مستقلة؟.

في المقابل، تراهن برلين على أن خفض الجريمة داخل ألمانيا عبر الإبعاد السريع سيحظى بتأييدٍ شعبي، حتى وإن اصطدم بجدار انتقادات حقوقية وقضائية محتملة في المحاكم الإدارية والدستورية.

وسماح ألمانيا بتمثيلٍ قنصلي لطالبان يُعدّ خطوةً رمزية كبيرة تُوظّفها الحركة كدليل انفتاح دولي. وقد تدفع عواصم أخرى—بدافعٍ براغماتي—إلى تكريس قنوات مماثلة بهدف إدارة الحدود والترحيل.

لكن هذا المسار ينطوي على ثمن: ترسيخ واقع دبلوماسي رمادي يمنح طالبان أوراق قوة، ويضع الاتحاد الأوروبي أمام اختبار وحدته ومعاييره الحقوقية.

السيناريوهات المقبلة

التوسيع التدريجي: زيادة الرحلات المنتظمة، ثم فتح ملف من لا يملكون حماية بعد فئة المدانين، مع تعزيز التنسيق القنصلي.

الارتداد القانوني: طعون جماعية أمام المحاكم الأوروبية والوطنية تُقيّد نطاق الترحيل إلى مناطق عالية المخاطر.

المسار البديل: العودة إلى وساطة طرف ثالث (قطر/تركيا) لتقليل الاحتكاك المباشر مع طالبان وخفض كلفة الشرعية.

المعايرة الأوروبية: توجيهات مشتركة من المفوضية ترسم “خطوطًا حمراء” (فئات مستثناة، آليات تدقيق، معايير تحقق قبل الرحلة وبعدها).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.