تصاعدت مواقف القوى الأوروبية، وبالأخص بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تجاه الأزمة المستمرة في غزة، مدفوعةً بصور الأطفال الجائعين وخطط إسرائيل لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. ومع تزايد الضغط الداخلي في الدول الأوروبية، أصبح الموقف الأوروبي أكثر حزمًا في التعامل مع إسرائيل، خاصة في ظل غياب التقدم في المحادثات والرفض الإسرائيلي المستمر لأي تنازلات.
مواقف فرنسية وبريطانية متشددة
في 23 يوليو، اجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس في برلين لمناقشة الأزمة في غزة، حيث أبلغ ماكرون نظيره الألماني عن ضغوط داخلية كبيرة تدفعه نحو الاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة بحلول سبتمبر 2025. وقد أعلن ماكرون عن نيته في خطوة منفردة، مؤكداً أن هذا الاعتراف يعكس التزام فرنسا بحل الدولتين والسلام العادل. هذا الإعلان جاء رغم معارضة ميرتس، الذي اعتبر الإجراء غير ملائم في تلك اللحظة.
في الوقت نفسه، شهدت بريطانيا تحولًا في الموقف بعد إعلان إسرائيل في 18 يوليو عن توسيع المستوطنات بالضفة الغربية. رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي كان يدعم إسرائيل تقليديًا، واجه ضغوطًا متزايدة من البرلمان والشعب البريطاني ليغير موقفه. ومع تصاعد الهجمات على غزة، قرر ستارمر دعم الاعتراف بفلسطين إذا استمرت إسرائيل في رفض الدعوات الأوروبية لوقف الحرب والبحث عن سلام دائم.
الخطة البريطانية: حل وسط للتفاوض
في 29 يوليو، قدمت بريطانيا خطة من ثماني نقاط بقيادة مستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، والتي تم تداولها بين الدول الأوروبية. الخطة، التي أعدت على مدار أشهر من الدبلوماسية الهادئة، تركز على فرض حل عادل وشامل، يبدأ بوقف إطلاق النار، ويشمل حكومة فلسطينية تكنوقراطية، ووجود قوة أمنية دولية لمراقبة تنفيذ الاتفاقات، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. وجاءت الخطة البريطانية في وقت حساس، حيث دعت الدول العربية في بيان مشترك مع فرنسا والسعودية إلى إنهاء حكم حماس في غزة وتسليم السلطة الفلسطينية السلاح.
الانقسام الأوروبي في التعامل مع الولايات المتحدة
على الرغم من المواقف الأوروبية المتشددة، إلا أن غياب الضغط الأمريكي على إسرائيل ظل يشكل عقبة رئيسية. فقد أبدت الولايات المتحدة دعمها المستمر لإسرائيل، بينما رفضت واشنطن الضغط الفعلي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. في المقابل، اعتبر المسؤولون الأوروبيون أن أي حل طويل الأمد للأزمة في غزة لا يمكن تحقيقه دون تدخل أمريكي جاد، خاصة في ظل عدم استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات.
موقف ألمانيا وحساسياتها التاريخية
ألمانيا، بحكم تاريخها النازي وتحالفها الوثيق مع إسرائيل، لم تكن في موقع يسمح لها بالاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد، لكنها شاركت بشكل فعّال في الجهود الدبلوماسية، وانضمت إلى البيانات الأوروبية التي تدعو إلى وقف الحرب، وإطلاق الأسرى، وزيادة المساعدات الإنسانية. هذه التحركات الألمانية كانت تعبيرًا عن التزامها العميق بمبادئ السلام والاستقرار، رغم حساسيتها التاريخية.
الدور العربي: الضغوط الجديدة على حماس
من ناحية أخرى، طالبت الجامعة العربية للمرة الأولى في تاريخها، في إطار إعلان مشترك مع فرنسا والسعودية، بإنهاء حكم حماس في غزة وتسليم السلطة الفلسطينية السلاح. هذه الدعوة تعكس تحولًا مهمًا في السياسة العربية، حيث بدأ بعض الأنظمة العربية تتبنى موقفًا أكثر توازناً، يتضمن الضغط على حماس كجزء من التسوية.
مواقف متباينة وأفق مسدود
على الرغم من تلك التحركات الدبلوماسية الأوروبية والعربية، فإن المواقف المتباينة بين القادة الأوروبيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى غياب الضغط الأمريكي الجاد، جعل أي تقدم نحو الحل يبدو بعيد المنال. فإسرائيل رفضت بشدة أي محاولة لتسوية مع الفلسطينيين في ظل الوضع الحالي، ما يعكس استعدادها لاستمرار الحرب على غزة.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29532