في مواجهة التكتيكات الجديدة المتغيرة التي يتبعها الجيش الروسي، تسعى أوكرانيا إلى تجديد وتعزيز تحصيناتها على الخطوط الأمامية، معتمدةً على نقاط دفاع أصغر وأقل وضوحًا، في محاولة لوقف تقدم قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
تغيرت استراتيجية الهجوم الروسي بشكل ملحوظ منذ الأشهر الأخيرة، حيث تخلّت موسكو عن الهجمات التقليدية باستخدام تشكيلات كبيرة مدعومة بالدبابات والمركبات المدرعة، إلى هجمات تستخدم وحدات أصغر مدعومة بطائرات مسيرة، ما فرض على أوكرانيا تكييف دفاعاتها.
قال وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف في تصريحات الأسبوع الماضي، إنّ “العدو انتقل إلى استخدام وحدات صغيرة من 20 إلى 50 جنديًا، مدعومة بالطائرات المسيّرة، بدلًا من الهجمات الكبيرة”، مضيفًا أن كييف ترد ببناء تحصينات أصغر حجمًا لتناسب حجم هذه الوحدات.
وفي خط الدفاع الأمامي، باتت تحصينات أوكرانيا تعتمد بشكل رئيس على نقاط صغيرة تتألف من خنادق بطول 60 إلى 70 مترًا، بدلاً من الشبكات الواسعة التي كانت تصل إلى عدة كيلومترات. كما يتم تجهيز هذه النقاط بغطاء مضاد للطائرات المسيرة من نوع FPV، وذلك لمواجهة قدرات العدو على الكشف والهجوم عن بعد.
وأوضح القائد العام للجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي أن “النقطة الأكثر فعالية الآن هي مفرزة واحدة كحد أقصى، مما يجعل من الصعب على الطائرات المسيّرة اختراقها”. ويضيف أن بناء النقاط الصغيرة أسهل في التمويه ويجعلها أقل عرضة للرصد.
خلف هذه الخطوط الأمامية، تستمر أوكرانيا في بناء خطي دفاع إضافيين يتكونان من تحصينات خرسانية قوية تُعرف باسم “أسنان التنين”، والتي تهدف إلى صد هجمات المركبات المدرعة، بالإضافة إلى حقول ألغام وشبكات مضادة للطائرات بدون طيار.
وأشار وزير الدفاع عمروف إلى أن التحصين لا يقتصر فقط على الهياكل الخرسانية والخنادق، بل هو نظام هندسي متكامل يتكيف مع التكتيكات الروسية، ويهدف إلى حماية الجنود على الأرض.
في الوقت نفسه، تظهر تقارير من الخطوط الأمامية وجود تفاوت في جودة وفعالية التحصينات، مع وجود نهج غير منسق بين المناطق المختلفة.
في وسط أوكرانيا، بمدينة دنيبرو، تم بناء ثلاثة خطوط دفاع متينة بدعم من التعاون بين الجيش والحكومات المحلية، في حين تشهد منطقة شمال شرق البلاد، قرب سومي وخاركيف، حالة من الفوضى في تنسيق جهود التحصين.
رومان بوهوريلي، المؤسس المشارك لمجموعة “ديب ستيت” الاستخباراتية، وصف الوضع هناك بأنه “فوضى عارمة”، مشيرًا إلى تأخر تسريع بناء التحصينات حتى اندلاع هجوم روسي كبير. وانتقد بوهوريلي “النهج العشوائي” الذي أدى إلى ترك مناطق مجهزة بشكل غير كافٍ أو مهجورة، كما في قرية يوناكيفكا بسومي حيث تركت تحصينات متفرقة وغير متصلة.
تشرف وزارة الدفاع الأوكرانية على أعمال البناء، لكن هناك تعدد في الجهات المسؤولة بين القوات المسلحة، وخدمة النقل التابعة لوزارة الدفاع، والإدارات العسكرية والمحلية، مما يعقد التنسيق.
رئيس الوزراء دينيس شميهال قال في يناير/كانون الثاني إن الحكومة أنفقت نحو 930 مليون يورو على بناء نحو 3000 نقطة دفاعية خلال العام الماضي، مستهدفةً المناطق التي لا تشهد عمليات قتالية نشطة حاليا.
أما العمل الأكثر خطورة فهو على خطوط المواجهة الأمامية حيث يحفر الجنود الخنادق يدويًا وسط قتال نشط، وهو ما وصفه سيرسكي بأنه “عمل بطولي”.
لكن أحد أبرز التحديات التي تواجه التحصينات الأوكرانية هي نقص الأفراد، حيث لا تزال القوات الأوكرانية أقل عدداً من القوات الروسية التي تنتشر على طول خط المواجهة الممتد لـ1200 كيلومتر.
وأوضح سيرسكي أن أي تحصين بلا عدد كافٍ من الجنود يفقد جدواه: “إذا بقي في نقطة حصينة جندي أو اثنين فقط، فلن تؤدي هذه النقطة دورها الدفاعي”.
من جانب آخر، أكد جنديان روسيان تحدثا لـ”بوليتيكو” أن القادة الروس يركزون هجماتهم على نقاط الضعف في التحصينات الأوكرانية، ويهاجمون الوحدات المجاورة إذا وجدوا تحصينًا جيدًا.
يقول أحد الجنود: “كل شيء يعتمد على القائد. إذا أمر بالحفر وزرع الألغام، تصبح المنطقة محصنة جيدًا”.
لكن وفقًا لتلك المصادر، “يبحث الروس باستمرار عن نقاط الضعف، وعند اكتشافها يركزون عليها كل مواردهم، ما يؤدي إلى انهيار الدفاعات الأوكرانية في تلك المناطق”.
في ظل هذه المعطيات، تظل التحصينات الأوكرانية محوراً حاسماً في المواجهة المستمرة، لكنها تواجه تحديات لوجستية وبشرية كبيرة في مواجهة التكتيكات الروسية المتطورة.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29422