يواجه بنك إنجلترا معضلة صعبة قبيل اجتماعه المقبل، مع تصاعد الضغوط التضخمية من جهة، وتراجع مؤشرات سوق العمل البريطاني من جهة أخرى، ما يعقّد مهمة صانعي السياسات في تحديد المسار الأمثل لسعر الفائدة خلال المرحلة المقبلة.
فقد أظهرت بيانات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية يوم الخميس، أن معدل البطالة ارتفع إلى 4.7% في مايو، في زيادة تُعد دالة على هشاشة سوق العمل. وارتفع عدد المطالبين بإعانات البطالة بنحو 26 ألف شخص في يونيو، ما يعكس تنامي الضغوط على المواطنين مع استمرار التحديات الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، سجّل نمو الأجور تباطؤًا إضافيًا. فقد ارتفع متوسط الأجور – باستثناء المكافآت – بنسبة 5.0% خلال العام حتى مايو، مقارنة بنسبة 5.3% في أبريل. هذا التباطؤ، وإن لم يكن كبيرًا، يمثل عاملًا حاسمًا بالنسبة لبنك إنجلترا الذي يراقب عن كثب الضغوط الناتجة عن زيادات الأجور، ويعتبرها مؤشرًا رئيسيًا في قراراته المتعلقة بأسعار الفائدة.
ويرى محللون أن تراجع وتيرة نمو الأجور يعكس جزئيًا استجابة الشركات لارتفاع تكاليف التوظيف الناتج عن زيادة مساهمات أرباب العمل في التأمين الوطني، والتي دخلت حيز التنفيذ في أبريل الماضي. وأفادت استطلاعات رأي متعددة أن العديد من الشركات البريطانية عمدت إلى تقليص زيادات الأجور أو حتى تنفيذ تسريحات للعمال لمواجهة هذه الأعباء الجديدة.
مع ذلك، لم تكن جميع المؤشرات قاتمة. فقد أظهرت البيانات أن الاقتصاد البريطاني لا يزال قادرًا على خلق فرص عمل، إذ ارتفع عدد العاملين بمقدار 134 ألف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة حتى مايو – وهو رقم يفوق بكثير التوقعات التي كانت تشير إلى زيادة بنحو 46 ألف وظيفة فقط. ويرى البعض في هذا المعطى مؤشرًا على مرونة نسبية في الاقتصاد، رغم الظروف المعاكسة.
ويجد بنك إنجلترا نفسه الآن بين مطرقة التضخم الذي عاود الارتفاع مؤخرًا، وسندان التباطؤ الواضح في سوق العمل. فعلى الرغم من أن وتيرة ارتفاع الأسعار تراجعت نسبيًا في الشهور الماضية، إلا أن بعض المؤشرات الأخيرة كشفت عن اتجاه تصاعدي جديد في مستويات التضخم، ما قد يدفع البنك إلى الحذر من خفض أسعار الفائدة في الوقت الراهن.
وتكمن المعضلة في أن إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة قد يزيد من معاناة سوق العمل والضغط على الأسر والشركات، في حين أن خفضها سريعًا قد يعرّض الاقتصاد لموجة جديدة من التضخم يصعب احتواؤها لاحقًا.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يكون اجتماع بنك إنجلترا في أغسطس حاسمًا، حيث سيتعين على صناع السياسات الموازنة بين دعم النشاط الاقتصادي المتباطئ من جهة، وضمان استقرار الأسعار من جهة أخرى – وهي مهمة معقدة في ظل تداخل العوامل السياسية والضريبية والاقتصادية التي تؤثر في القرار النقدي البريطاني.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29459