بينما يصعد اليمين الشعبوي في أوروبا ويراهن على ملف الهجرة كرافعة انتخابية، دخل “حزب الاشتراكيين الأوروبيين (PES)” مؤتمره الممتد ثلاثة أيام في أمستردام بمحفظة رسائل تبتعد عمّا يشغل الرأي العام: “الهجرة الغائبة حاضرًا”.
فوثيقة أولويات الحزب ومحاور حملته للسنوات المقبلة—المقرر التصويت عليها—لا تذكر الهجرة أصلًا، ولا تتضمن أجندة جلساتٍ نقاشية مخصصة لها، في مؤشر على “انقسام داخلي” وعجزٍ عن صياغة موقف موحّد.
ويكتفى البيان الختامي بإشارة عابرة إلى أن “المهاجرين يُجرَّمون ويُتَّخذون كبش فداء”، فيما يدعو برنامج السياسة الاجتماعية إلى حماية “المهاجرين وطالبي اللجوء وغير المسجلين”.
لكن حتى هذه اللغة الحذرة تُربك وحدة الحزب؛ إذ يواصل “الاشتراكيون الدنماركيون” الدفع نحو “تشديد قواعد الترحيل” خلال رئاستهم لمجلس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، في تناقضٍ واضح مع “الاشتراكيين الإسبان” الذين يدافعون عن مقاربة أكثر انفتاحًا.
وتفاقم التباين بغياب رئيسة وزراء الدنمارك “ميتي فريدريكسن” عن المؤتمر، وسط تبرير انتخابي لم يقنع خصومًا داخليين يرون في الغياب “رسالة سياسية”.
في المقابل، يُعوِّل الحزب على “عدّته القديمة”: “الرعاية الصحية، الوظائف، الإسكان الميسور، والطاقة المتجددة”.
ومن وجهة نظر القيادة، هذه الملفات تُشكّل أرضية اشتراكية متينة لمواجهة ما يسميه الإعلان غير المعتمد بعد “”الأممية الرجعية”” بقيادة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وحلفائه الأوروبيين.
ويقول نص الإعلان إن “وحدة الصف ضرورية لعكس المسار الخطير الذي رسمه ترامب”، داعيًا إلى “حراك تقدمي عالمي”.
لكن “رمزية المواجهة مع ترامب” لا تُخفي حقيقة الحضور السياسي المتواضع: من بين ثلاثة رؤساء وزراء اشتراكيين في الاتحاد الأوروبي، يحضر فعليًا “بيدرو سانشيز” فقط لرئاسة جلسات المؤتمر إلى جانب “أنطونيو كوستا” وقيادات حزبية مثل “لارس كلينغبايل” و”أندرياس بابلر”.
وتدافع قيادة الحزب عن خيار “الصمت التكتيكي” في ملف الهجرة باعتباره “تفاديًا للانقسام” عشية استحقاقات انتخابية متتابعة؛ فبحسب نائب رئيس PES وعضو البرلمان الأوروبي “فيكتور نيغريسكو”، الهدف هو “تعبئة العائلة السياسية” وعدم التفريط بوحدة الصف.
غير أن منتقدين داخل العائلة يذكّرون بأن “ترك الساحة الخطابية لليمين”—الذي يملأ الهواء برسائل الأمن والحدود—قد يكلّف يسار الوسط المزيد من المقاعد، كما حدث في الدورات الأخيرة للبرلمان الأوروبي.
مع ذلك، تراهن بعض الوفود على فرص قريبة: “الانتخابات الهولندية” (24 أكتوبر/تشرين الأول) التي قد تعيد “العمل” إلى الحكم بقيادة “فرانس تيمرمانس”، فيما تظهر استطلاعات في “السويد وفنلندا” تقدّمًا لأحزاب يسار الوسط قبل اقتراعات 2026–2027.
داخل الهياكل، يواصل الحزب تمسّكه بـ”الحرس القديم”: إعادة انتخاب “ستيفان لوفين” بلا منافس، واستمرار الأمين العام “جياكومو فيليبِك” ونائبتَي رئيس الكتلة “إيراتشي غارسيا” و”كاتارينا بارلي”.
وبالمحصلة يدخل الاشتراكيون مؤتمر أمستردام ببرنامج اجتماعي “آمن” ورسائل ضدّ ترامب، لكن “فجوة الهجرة” تبقى العنوان الأبرز—ملف يحدّد أجندات اليمين ويمزّق معسكر يسار الوسط بين تشديدٍ شماليٍّ ونهجٍ متساهل جنوبي.
وفي غياب “سردية اشتراكية واضحة للهجرة” تربط بين الأمن والإنسانية والاندماج وسوق العمل، قد يجد الحزب نفسه يواجه حملة يمينية متماسكة… بأجندة “نصف كاملة” ورسائل لا تُجيب عن السؤال الأصعب لدى الناخبين.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29715