طلق جهاز الأمن الأوكراني (SBU) يوم الإثنين حملة واسعة من المداهمات والتحقيقات طالت المكتب الوطني الأوكراني لمكافحة الفساد (NABU)، وسط مزاعم بوجود تواطؤ مع الاستخبارات الروسية داخل الوكالة.
وأكد الجهاز أن العملية شملت أكثر من 70 مداهمة لمواقع مختلفة مرتبطة بوكالة مكافحة الفساد، وأسفرت عن اعتقال اثنين من كبار المسؤولين، بينهم المحقق البارز رسلان ماغاميدراسولوف، بتهمة التجسس لصالح روسيا، إلى جانب ضابط رفيع آخر لم يُكشف عن اسمه.
اتهامات بالتجسس والتسريب
وبحسب بيان رسمي صادر عن جهاز الأمن الأوكراني، يُتهم ماغاميدراسولوف بمساعدة والده الروسي في تشغيل شبكة اتجار غير مشروع في القنب الصناعي بين أوكرانيا وروسيا. كما يُشتبه في أنه سلّم معلومات سرية تتعلق بتحقيقات فساد إلى عملاء استخبارات روس، من بينهم النائب الأوكراني السابق فيدير خريستينكو، الهارب والمطلوب منذ شهور بتهم الخيانة والتجسس.
وجاء في البيان أن خريستينكو “يتمتع بنفوذ كبير داخل وكالة مكافحة الفساد، وكان له تأثير مباشر على بعض قراراتها وأنشطتها”، ما يثير القلق من اختراق روسي لمؤسسات حساسة في الدولة الأوكرانية.
جدل حول شرعية الإجراءات
من جانبها، ردّت وكالة مكافحة الفساد (NABU) ببيان مقتضب، أكدت فيه أن عمليات التفتيش استهدفت ما لا يقل عن 15 موظفًا داخل الوكالة، وتم تنفيذها دون أوامر قضائية رسمية، الأمر الذي أثار تساؤلات قانونية حول دوافع وسير العملية.
وأوضح البيان أن “معظم عمليات التفتيش تستند إلى مزاعم غير مباشرة، مثل حوادث مرورية يقال إن موظفين في الوكالة تورطوا فيها”، بينما أُدرجت اتهامات بالتواطؤ مع دولة معتدية في بعض الحالات الأخرى. وأكد المكتب أن هذه المزاعم “لا علاقة لها بمهام الوكالة الجوهرية في مكافحة الفساد”، محذرًا من أن “العملية قد تؤدي إلى تعطيل عمل مؤسسة بالغة الحساسية في وقتٍ حرج”.
تهديدات متصاعدة للأمن الداخلي
تأتي هذه الحملة بينما تُكثّف أوكرانيا جهودها لتعزيز الأمن الداخلي، وسط تزايد النشاطات الاستخباراتية الروسية منذ بدء الغزو الشامل في فبراير 2022. وتعد وكالة مكافحة الفساد إحدى ركائز الإصلاح المؤسسي الذي تطالب به أوروبا والولايات المتحدة مقابل استمرار الدعم المالي والسياسي لكييف.
وفي هذا السياق، صرّح مصدر أمني أوكراني لوكالة إنترفاكس أن التحقيقات تشير إلى “احتمال أوسع لاختراق أجهزة الدولة من قبل جهات روسية”، مشيرًا إلى أنه يتم حاليًا فحص أجهزة الحاسوب والبريد الإلكتروني لأكثر من 30 مسؤولًا.
توازن حساس بين الأمن والشفافية
ورغم أن الحرب زادت من التركيز على مواجهة التهديدات الخارجية، إلا أن التحقيقات في الفساد المؤسسي تظل أولوية للغرب والمجتمع المدني في أوكرانيا. وهو ما يدفع إلى تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين مكافحة التجسس وحماية المؤسسات المستقلة من التسييس أو التصفية التنظيمية.
وفي هذا السياق، صرّحت النقابة الوطنية لموظفي مكافحة الفساد أن “التهديدات الأمنية أمر واقع في أي مؤسسة حكومية”، لكنها حذرت من أن “استخدام هذا التهديد كذريعة لتجميد أو تقويض عمل الوكالات المستقلة يُشكّل خطرًا على الإصلاح الديمقراطي”.
المرحلة المقبلة
لم يُصدر جهاز الأمن الأوكراني أي تعليق إضافي بشأن الخطوة التالية، إلا أن مصادر مقربة من التحقيق أكدت أن مزيدًا من الاعتقالات قد تُنفذ في الأيام المقبلة. وتبقى أعين المجتمع الدولي مركّزة على كييف، حيث تمثل شفافية القضاء ومكافحة الفساد معايير أساسية لانضمام محتمل للاتحاد الأوروبي مستقبلاً.
ويبدو أن المعركة بين الأمن القومي والإصلاح المؤسسي ستستمر في الظهور إلى الواجهة، مع استمرار الحرب في الشرق، وتصاعد معارك السياسة في الداخل.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29473