اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وترامب تساعد أوروبا على التخلص من الوقود الروسي

في خطوة مفصلية تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن اتفاق تجاري جديد مع الاتحاد الأوروبي يشمل تعهّد الأوروبيين بشراء ما قيمته 750 مليار دولار من الطاقة الأميركية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحفي عقد في اسكتلندا إن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية أوروبية شاملة لـ”إنهاء الاعتماد المتبقي على الوقود الأحفوري الروسي”، الذي لا يزال يتسلل إلى أوروبا عبر قنوات غير مباشرة رغم العقوبات.

الولايات المتحدة بديل استراتيجي

بموجب الاتفاق، سيرتفع حجم واردات الغاز الطبيعي المسال والنفط الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة، ما يمنح الشركات الأمريكية دفعة كبيرة في السوق الأوروبية، ويؤمّن في الوقت ذاته للدول الأوروبية بديلًا موثوقًا للطاقة الروسية، خصوصًا مع تراجع ثقة أوروبا في موردها التقليدي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022.

وقالت فون دير لاين: “لا يزال لدينا الكثير من الغاز الطبيعي المسال الروسي الذي يصل عبر الباب الخلفي إلى أوروبا. نريد التخلص تمامًا من هذا الاعتماد، وشراء الغاز الأميركي الأغلى ثمناً لكنه أكثر أمانًا واستقرارًا هو خيار استراتيجي مرحّب به.”

وتُعد هذه الاتفاقية واحدة من أبرز النتائج الجيوسياسية لخسارة موسكو التدريجية لأسواق الطاقة الأوروبية، في ظل ضغوط أمريكية مستمرة لوقف التعامل مع النفط والغاز الروسيين.

تغيّر تدريجي في البوصلة الأوروبية

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، سعت الدول الأوروبية إلى تنويع مصادرها الطاقوية. وانخفضت واردات الغاز الروسي عبر الأنابيب بنحو كبير، لكن الغاز الطبيعي المسال الروسي لا يزال يحتل حصة كبيرة من السوق الأوروبية، خاصة عبر موانئ فرنسا وبلجيكا وهولندا.

ويقول محللون إن الصفقة مع واشنطن ستسرّع التحوّل نحو الشراكة الأميركية، خاصة وأن شركات طاقة أوروبية كبرى بدأت منذ شهور توقيع عقود طويلة الأجل مع مشاريع أميركية لتصدير الغاز المسال.

لكن السؤال الأهم يبقى: هل يمكن فعلاً تنفيذ الزيادة الضخمة في المشتريات كما ينص الاتفاق؟

أرقام كبيرة… وتساؤلات أكبر

تقول شركة ClearView Energy Partners المتخصصة في تحليل أسواق الطاقة إن الرقم المُعلن – 750 مليار دولار خلال ثلاث سنوات – يمثل زيادة كبيرة جداً عن المشتريات الحالية التي تبلغ نحو 78 مليار دولار سنوياً.

وتضيف في مذكرة تحليلية أن حتى إذا احتسبت الصادرات الحالية ضمن هذا الرقم، فإن القفزة المطلوبة تتطلب مضاعفة الواردات سنويًا لتصل إلى نحو 250 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بنحو 175 مليار دولار سنويًا.

وكتبت الشركة: “هذا الرقم سيتجاوز بمراحل ما ورد في المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري السابق بين ترامب والصين، ما يجعله هدفًا طموحًا للغاية، إن لم يكن غير واقعي على المدى القصير.”

اتفاق تجاري… ولكن بأبعاد سياسية

الاتفاق مع ترامب لم يكن محصورًا فقط في مجال الطاقة، بل جاء ضمن صفقة تجارية أوسع تشمل تعريفات جمركية بنسبة 15% على المنتجات المتبادلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومجموعة من الالتزامات المتبادلة بفتح الأسواق والاستثمار في قطاعات متعددة، منها الدفاع والتكنولوجيا.

لكن ما يميّز الشق الطاقوي من الصفقة هو ارتباطه المباشر بالتحولات الجيوسياسية بعد حرب أوكرانيا، حيث أصبحت الطاقة ورقة ضغط سياسية بقدر ما هي اقتصادية.

ويرى محللون أن واشنطن تسعى لترسيخ نفسها كمورد طاقة أول لأوروبا في سياق منافسة استراتيجية مع موسكو وبكين.

ما الذي يعنيه ذلك للمستهلك الأوروبي؟

التحول إلى الغاز الأميركي يحمل مزايا أمنية وسياسية، لكنه يأتي بكلفة اقتصادية أعلى، إذ أن تكلفة شحن الغاز المسال من الولايات المتحدة أعلى من نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية.

لكن فون دير لاين أكدت أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتحمّل هذه التكاليف ضمن خطة طويلة الأمد لإنهاء التبعية الروسية، قائلة: “نحن لا نشتري الوقود فقط، بل نشتري الأمان السياسي واستقرار الأسواق.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.