أعلنت المفوضية الأوروبية عن خطة جديدة تهدف إلى تخفيف عدد من القوانين البيئية والتنظيمية لتسهيل إنشاء مناجم جديدة داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك في إطار سعي الكتلة لتأمين المعادن الأساسية اللازمة لقطاعات الطاقة النظيفة والدفاع والصناعات التكنولوجية، وتقليل اعتمادها شبه الكامل على الصين.
وتشمل الخطة التي تحمل اسم RESourceEU، مراجعات جوهرية لقوانين المياه، والتصاريح البيئية، والضوابط المرتبطة بالمواد الكيميائية الخطرة بموجب لائحة REACH.
ووفقًا لمفوضة البيئة جيسيكا روزوال، فإن الإطار التنظيمي الحالي يبطئ بشدة إطلاق مشاريع التعدين الجديدة بسبب الانتظار الطويل والتعقيدات القانونية المتعددة.
وقالت روزوال: “علينا الاستفادة من مواردنا الطبيعية بشكل أفضل. لدينا انتظار طويل وعدم يقين بشأن التصاريح نتيجة التشريعات البيئية المختلفة”.
وأكدت أن المفوضية ستصدر “توجيهات واضحة” في بداية عام 2026 بشأن قوانين المياه، مع مراجعة الإطار الحالي خلال النصف الأول من العام نفسه.
وتتضمن حزمة الإصلاحات مقترحات لتسريع إصدار التصاريح البيئية للمناجم، إضافة إلى النظر في استثناءات خاصة لاستخدام مواد كيميائية تعتبر خطرة في أنشطة التعدين.
ورغم ذلك، تؤكد المفوضية أنها لا تخطط للتخلي عن معايير الحماية البيئية والصحية، مشددة على الحفاظ على “أعلى مستويات الأمان للعمال والبيئة”.
كما تسعى بروكسل إلى تعزيز صناعة إعادة التدوير، عبر فرض قيود على تصدير نفايات المواد الخام القيمة، وتعديل بعض قواعد شحنات النفايات لتسهيل تداولها داخل الكتلة بهدف دعم الاقتصاد الدائري وتقليل الهدر.
ومن جانب آخر، شدد مفوض الصناعة ستيفان سيجورني على ضرورة الاحتفاظ بالمعادن داخل الاتحاد الأوروبي، قائلاً: “لا ينبغي لأي مواد خام تدخل الاتحاد الأوروبي أن تغادره”.
ويعكس هذا التصريح القلق الأوروبي المتزايد من تزايد التوترات الجيوسياسية، خاصة مع الولايات المتحدة والصين، وتأثيرها على سلاسل التوريد.
وتأتي الخطط الجديدة وسط ضغوط كبيرة من مجموعات الأعمال، خصوصًا شركات التعدين، التي ترى أن المتطلبات البيئية الأوروبية تشكل “اختناقًا تنظيميًا” يحد من القدرة التنافسية.
وتعتبر جماعة الضغط “يورومينز” من أبرز المنتقدين للقواعد الحالية، خاصة تلك المتعلقة بحماية المياه، والتي تُعدّ دائمًا نقطة خلاف عند تقييم أي مشروع تعدين جديد.
ورغم ذلك، تتعامل المفوضية مع مفارقة معقدة: فهي من جهة تسعى للحفاظ على مكانة الاتحاد كقوة صناعية واستراتيجية في ظل سياسة عالمية أكثر تشددًا، ومن جهة أخرى تريد حماية البيئة وخفض الانبعاثات واستعادة التنوع البيولوجي، وهي أهداف مركزية في الصفقة الخضراء الأوروبية.
وسيظل الإطار التشريعي للمياه في أوروبا، والذي يمثل حجر الأساس في حماية الموارد المائية وجودتها، محورًا حساسًا في النقاشات الجارية، كما أكدت روزوال التي شددت على أن حماية الصحة العامة “خط أحمر” لا يمكن تجاوزه.
وفي موازاة خطة التعدين، تستعد المفوضية لإصدار ما يُعرف بـ”الحافلة البيئية”، وهي حزمة جديدة تهدف إلى تقليص أو تبسيط أجزاء من التشريعات البيئية الأوروبية، بما في ذلك قواعد التقييمات البيئية للمشاريع ذات “المصلحة العامة القصوى” مثل شبكات الكهرباء ومراكز البيانات.
وتجري مفاوضات داخل المفوضية حول إدراج قانون استعادة الطبيعة ضمن هذه الحزمة، وسط اعتراضات صناعية واسعة. ورغم امتناع روزوال عن تقديم تفاصيل إضافية، أكدت وجود “مقترحات مُركّزة” لتخفيف الأعباء الإدارية على الشركات دون المساس بالأهداف البيئية الكبرى.
وبهذا التوجه الجديد، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يخطو نحو سياسة أكثر مرونة في التعامل مع قواعده البيئية، مدفوعًا بهاجس الاستقلال الاستراتيجي في عالم سريع التحول.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29831