في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى حماية كرامة النواب والمؤسسة التشريعية الأوروبية، أعلن البرلمان الأوروبي عن خطط جديدة تهدف إلى تقييد قدرة السلطات البلجيكية – وسلطات الدول الأعضاء الأخرى – على تسمية أعضاء البرلمان الأوروبي علنًا أثناء التحقيقات الجنائية، دون تقديم مبررات قانونية قوية ومعلومات مفصلة تدعم ذلك.
جاء هذا الإعلان في أعقاب تصاعد الانتقادات داخل البرلمان بشأن ما يعتبره بعض الأعضاء “تشويهًا متعمدًا” لسمعتهم من قبل أجهزة إنفاذ القانون البلجيكية، عبر تسريبات إعلامية وطلبات رفع حصانة تفتقر إلى أساس قانوني متين، ما يقوّض ثقة الرأي العام بالمؤسسات الأوروبية.
“لن أقبل باستهداف الأعضاء دون أساس”
قالت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، في مؤتمر صحفي عُقد اليوم في بروكسل:
“سنتحرك حيثما وُجدت الشكوك. سندافع عن أعضاء البرلمان الأوروبي وعن كرامة المؤسسة. لن أقبل باستهداف أعضاء البرلمان الأوروبي وتشويه سمعتهم دون أساس متين.”
وأوضحت ميتسولا أنها ستقترح تغيير القواعد الحالية بحيث لا يُعلن عن طلبات رفع الحصانة في الجلسات العامة للبرلمان الأوروبي قبل تقديم مستوى معين من التفاصيل من الجهة القضائية أو الأمنية المعنية، يتضمن توضيحًا دقيقًا للاتهامات والأسس القانونية التي تستند إليها.
مثال حديث: قضية “هواوي” وسحب الطلب
أحد الأمثلة الصارخة التي دفعت البرلمان للتحرك، هو طلب سابق من السلطات البلجيكية لرفع الحصانة عن النائبة الأوروبية جيوسي برينشي، بزعم ارتباطها بقضية فساد تتعلق بشركة هواوي الصينية. ومع أن الطلب نال تغطية إعلامية واسعة، فقد تم سحبه لاحقًا دون توضيحات كافية، ما أضر بسمعة النائبة وأثار حفيظة كتل سياسية داخل البرلمان.
وقال مسؤول رفيع في البرلمان الأوروبي، تحدث بشرط عدم كشف هويته:
“البرلمان يريد إيصال رسالة واضحة إلى السلطات البلجيكية مفادها أن إجراءاتها يجب أن تكون أكثر مهنية. الأخطاء والإهمال في هذا السياق تُلحِق أذى جسيمًا بسمعة الدول والمؤسسات الأوروبية ككل.”
أزمة “قطر غيت” وإخفاقات القضاء البلجيكي
وتأتي هذه الخطوة في ظل استمرار تداعيات فضيحة “قطر غيت”، التي هزّت البرلمان عام 2022 وأثارت تساؤلات حول مدى استقلالية القضاء البلجيكي وكفاءته في التعامل مع قضايا تتعلق بالفساد داخل المؤسسات الأوروبية.
حتى الآن، لم تُسفر التحقيقات عن أي إدانات رسمية. واستقال القاضي المشرف على القضية، ميشيل كليز، في يونيو 2023 بسبب شبهات تضارب مصالح. كما طعن المتهمون في قانونية الإجراءات أمام المحاكم، مما أثار الشكوك حول احتمال انهيار القضية برمّتها.
وفي هذا السياق، صرّح النائب الأوروبي عن حزب الخضر، دانيال فرويند:
“إذا بدأت المحاكمات وأُدين المتهمون، فهذا يعني أن العدالة أخذت مجراها. أما إذا لم يُدن أحد، أو إذا رُفضت الأدلة، أو إذا تم إسقاط القضية لأسباب إجرائية، فستكون لدينا مشكلة خطيرة تتعلق بمصداقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي والعدالة البلجيكية.”
نحو معايير أعلى لرفع الحصانة
بموجب الإجراءات الجديدة المقترحة، ستكون السلطات القضائية في بلجيكا والدول الأخرى مطالبة بتقديم معلومات مفصلة قبل تقديم أي طلب لرفع الحصانة عن نائب في البرلمان الأوروبي. ويهدف ذلك إلى الحد من “الاستخدام السياسي” أو “الابتزاز الإعلامي” الذي قد ينجم عن الكشف المبكر عن أسماء المتهمين دون قرائن كافية.
ويعكف البرلمان حاليًا على دراسة الأطر القانونية لتنفيذ هذه التغييرات، بالتشاور مع الكتل السياسية المختلفة والمفوضية الأوروبية.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29389