أثارت المسودة المسربة لخطط إصلاح القوانين الرقمية التي طرحتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ردود فعل عنيفة داخل البرلمان الأوروبي، وسط مخاوف من “تآكل” قواعد الخصوصية وحماية البيانات لصالح شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصًا الأمريكية منها.
وكشفت المسودة، عن نية المفوضية لتخفيف القيود على معالجة البيانات الشخصية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المعلومات الحساسة المتعلقة بالعرق والدين والصحة والمعتقدات السياسية للأفراد، بهدف تسهيل عمل شركات التقنية وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما تتضمن المقترحات تعديلات على قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، تشمل تأجيل فرض الغرامات على المحتوى الذي يحمل علامة مائية وإعفاءات للشركات الصغيرة.
وقد أدى هذا التوجه إلى احتجاجات من مجموعات سياسية على يسار الوسط، بما في ذلك حزب الخضر، والاشتراكيون، والديمقراطيون، الذين اتهموا المفوضية الأوروبية بمحاولة الرضوخ للضغوط الأمريكية على حساب مصالح المواطنين الأوروبيين.
وقالت ألكسندرا جيز، النائبة الألمانية البارزة في حزب الخضر: “خطط المفوضية تفكك حماية المواطنين لصالح شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، ويجب التركيز على تبسيط التعريفات والقوانين بشكل حقيقي وليس تلبية مطالب واشنطن”.
وفي رسائل مشتركة، طالبت أحزاب الوسط واليسار فون دير لاين ورئيسة قسم التكنولوجيا بالمفوضية هينا فيركونين بالتراجع عن هذه التعديلات قبل تقديم المقترحات رسمياً.
كما أبدى التحالف الاشتراكي الديمقراطي مخاوفه من أن أي إضعاف لإطار الخصوصية الأوروبي قد يقلل من حماية البيانات الشخصية ويضر بالمكانة الأوروبية كمصدر للمعايير العالمية في حوكمة التكنولوجيا.
على الجانب الآخر، أبدى بعض النواب من يمين الوسط واليمين الأوروبي تفاؤلهم بالمقترحات، معتبرين أنها تشكل فرصة لتحرير القطاع التكنولوجي من قيود تشريعية وصفوها بالمفرطة.
وقال بيوتر مولر، عضو الحزب الجمهوري والإصلاحي الأوروبي البولندي: “بعد سنوات من التشريع المفرط الذي خنق التقدم، نحن بحاجة إلى تحرير تنظيمي طموح الآن”. بينما وصفت النائبة الفرنسية سارة كنافو القانون بأنه “نسمة هواء نقي” لشركات التكنولوجيا الأوروبية.
ومع ذلك، فإن التوازن السياسي لا يزال هشًا، إذ يتعين على المقترحات المرور عبر مجلس الاتحاد الأوروبي، حيث تظهر انقسامات واضحة بين الدول حول تعديل اللائحة العامة لحماية البيانات، مع معارضة قوية من دول مثل فرنسا والنمسا وسلوفينيا، في حين أيدت ألمانيا التغييرات لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي.
ويأتي هذا الجدل في وقت يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات متزايدة في التوفيق بين حماية الخصوصية والسيادة الرقمية من جهة، ودعم الابتكار والتكنولوجيا الحديثة من جهة أخرى، في ظل الضغوط الخارجية المتصاعدة، بما في ذلك التأثير الأمريكي على سياسات الاتحاد الرقمي.
وتبقى الخطوة المقبلة للمفوضية الأوروبية حرجة، إذ عليها أن تتخذ قرارها قبل العرض الرسمي للمسودة، المتوقع يوم الأربعاء المقبل، وسط توقعات بمزيد من الانقسامات والضغط من أطراف سياسية متعددة، ما يجعل مستقبل الإصلاح الرقمي الأوروبي أمام اختبار حقيقي للسيادة الرقمية وحماية مصالح المواطنين.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29763