حرب بوتين الدموية تضع الديمقراطية الأوكرانية تحت ضغط متزايد

بينما تدخل الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثالث، بدأت التحديات السياسية الداخلية في كييف تأخذ بعدًا جديدًا، مع تنامي المخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية الأوكرانية. فرغم صمود النظام السياسي أمام الضغوط غير المسبوقة منذ الغزو الكامل في فبراير 2022، فإن سلوك القيادة الأوكرانية، وعلى رأسها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، يثير قلقًا متزايدًا من نزعة نحو تركيز السلطة وتقويض استقلال المؤسسات.

قانون مثير للجدل يعزز قبضة الرئيس

أحدث هذه التطورات تمثل في توقيع زيلينسكي هذا الأسبوع على قانون يُعزز السيطرة الرئاسية على وكالات مكافحة الفساد، وهو ما أثار موجة نادرة من الانتقادات حتى من أقرب الحلفاء الغربيين، إضافة إلى احتجاجات في شوارع كييف استمرت ليلتين متتاليتين.

وعلى الرغم من محاولة زيلينسكي تبرير الخطوة بأنها ضرورية لمواجهة “التدخل الروسي” في مؤسسات الدولة، إلا أن العديد من الأصوات الأوكرانية، بما فيها منظمات مجتمع مدني ونواب سابقون، اعتبرت أن هذا المسار يهدد تقاليد الشفافية واستقلالية المؤسسات الرقابية، والتي تعد شرطًا أساسيًا في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

اتهامات بالانتهاك الإجرائي والترهيب المؤسسي

تشير منظمة “وكالة المبادرات التشريعية” المحلية إلى أن قانون مكافحة الفساد الجديد ليس استثناءً، بل جزء من “نمط أوسع” لإساءة استخدام السلطة، يتضمن تعديلات وزارية تمت خارج الأطر الإجرائية، وتوقيع قوانين دون مراعاة المدد التشريعية، والتضييق على الأصوات المستقلة.

قضية الصحفي والناشط البارز فيتالي شابونين تلقي بظلال إضافية. شابونين، الذي انضم للجيش قبل عامين، يواجه الآن محاكمة بتهمة “الفرار من الخدمة والاحتيال”، رغم تأكيده أنه كان مكلفًا بمهمة رسمية من قائده للمساعدة في إصلاح شفافية مشتريات الجيش. ويرى مراقبون أن قضيته تُستخدم كـ”رسالة ترهيب” للمجتمع المدني والمحققين الاستقصائيين.

يقول شابونين: “إنهم يبعثون برسالة إلى الجميع مفادها أن أحدًا ليس آمنًا، لا صحفي، ولا ناشط، ولا حتى جندي”.

توظيف “الأمن القومي” كأداة لإقصاء الخصوم

لم يقتصر القلق على قانون مكافحة الفساد، فقد طفت إلى السطح اتهامات بأن الحكومة تستخدم مبررات أمن قومي غير موثقة لإقصاء مرشحين غير مرغوب بهم. في واقعة بارزة، منعت السلطات تعيين أوليكساندر تسيفينسكي لرئاسة مكتب الأمن الاقتصادي رغم فوزه عبر لجنة مستقلة، بذريعة وجود “مخاطر أمنية”، لم تُفسّر له أو للرأي العام.

ووصفت النائبة أنستازيا رادينا ما حدث بأنه “تجاوز صارخ لصلاحيات الحكومة”، بينما شددت رئيسة الوزراء يوليا سفيريدينكو – الحليفة المقربة من زيلينسكي – على أن الحكومة “تصرفت ضمن الإطار القانوني”.

هيمنة يرماك وتضاؤل الحوكمة التشاركية

يرى محللون أن تركيز السلطة داخل دائرة ضيقة من المستشارين المقربين من زيلينسكي، وعلى رأسهم أندريه يرماك، مستشاره الرئيسي، يُقوّض مبدأ الحوكمة التشاركية الذي تحتاجه أي دولة ديمقراطية، خصوصًا في زمن الحرب.

يقول مسؤول سياسي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه: “زيلينسكي يدير البلاد وكأنها شركة خاصة تسمى أوكرانيا، ويرماك هو المدير التنفيذي”.

ورغم إقرار بعض المراقبين بأن ظروف الحرب تفرض أحيانًا تقليص دوائر اتخاذ القرار، فإنهم يحذرون من أن استمرار هذا النهج قد يُعيد إنتاج نموذج سلطوي، وإن كان في قالب مختلف عن روسيا.

الديمقراطية في اختبار الحرب

يؤكد عدد من خبراء السياسة الأوكرانيين أن أوكرانيا لا تزال بعيدة عن التحول إلى دولة استبدادية، لكن التوتر المتصاعد بين ضرورات الحرب ومتطلبات الديمقراطية يجعل المرحلة الحالية دقيقة للغاية.

تقول أولينا تريجوب، المديرة التنفيذية للجنة المستقلة لمكافحة الفساد: “في زمن الحرب، تُصبح المركزية أكثر إغراءً، لكن الحفاظ على المساءلة والشفافية ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لكسب ثقة الناس والمجتمع الدولي.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.