لم يسبق أن بدّد خطر خارجي قديم الانقسامات السياسية في بولندا كما فعل اختراق المجال الجوي البولندي فجر الأربعاء بواسطة ما لا يقل عن 19 طائرة روسية بدون طيار.
فقد أظهر قادة البلاد – المعتادون على الخصام الحاد – لحظة نادرة من الوحدة الوطنية، قبل أن تعود الخلافات لتطلّ برأسها سريعاً.
وأعلن الرئيس البولندي كارول ناوروكي ورئيس الوزراء الوسطي دونالد توسك، اللذان غالباً ما يتبادلان الاتهامات، تعاونهما الكامل بعد الضربة الروسية.
وفي مؤتمر صحفي مشترك بمقر الجيش البولندي، قال ناوروكي إنه التقى توسك وتلقى إحاطة مفصلة حول التوغّل. كما ناقش الزعيمان تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو، التي تسمح بالتشاور الجماعي في حال تهديد أمن دولة عضو.
وبعد ساعات، أكّد توسك أمام البرلمان أن التعاون بين الرئاسة والحكومة “مثالي”، مضيفاً: “في هذه اللحظات العصيبة يجب أن تعمل جميع المؤسسات يداً واحدة… وأؤكد بثقة أننا نجتاز هذا الاختبار بنجاح.”
حتى المعارضة اليمينية المتشددة، ممثلة برئيس الوزراء السابق ماتيوش مورافيتسكي (حزب القانون والعدالة)، أعلنت تضامنها قائلاً: “هناك عدو واحد، وهذا العدو خارجي.”
أما وزير الخارجية رادوسلاف سيكورسكي المعروف بهجومه الدائم على الحزب اليميني، فقد دعا ببساطة إلى “الهدوء والوحدة”.
ترامب يدخل على الخط
من واشنطن، علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – حليف ناوروكي – بحدة على شبكات التواصل: “ما الأمر مع روسيا التي تنتهك المجال الجوي البولندي بطائرات بدون طيار؟ ها نحن ذا!”
لاحقاً، أكد ناوروكي أن اتصالاً هاتفياً مع ترامب شدد على “وحدة التحالف”، في إشارة إلى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن بولندا تحت مظلة الناتو.
لكن لحظة الانسجام لم تدم طويلاً. فقد سارع وزير الدفاع السابق ماريوس بلاشتشاك (حزب القانون والعدالة) إلى انتقاد حكومة توسك لعدم تنفيذ العقود العسكرية التي أبرمتها الحكومة السابقة، قائلاً: “كفى كلاماً، آن الأوان لتنفيذ ما أعددناه.”
أما زعيم الحزب ياروسلاف كاتشينسكي، فقد غاب عن خطاب توسك أمام البرلمان، وشنّ هجوماً على الحكومة بدعوى “إبطاء إصلاح الجيش”، محذراً: “نحن نواجه هجوماً على بولندا.”
ولم يتخلّ كاتشينسكي عن روايته القديمة حول كارثة الطائرة الرئاسية عام 2010 التي قُتل فيها شقيقه، ملمحاً مجدداً – بلا دليل – إلى مسؤولية توسك وفلاديمير بوتين.
انتقادات من أقصى اليمين
ذهب الحزب اليميني المتطرف الاتحاد أبعد من ذلك. زعيمه سلافومير مينتزن اتهم الحكومات المتعاقبة – من توسك وحزب القانون والعدالة على حد سواء – بالفشل في الاستعداد لحرب الطائرات المسيّرة: “لقد أنفقنا عشرات المليارات على أسلحة لن تصل قبل سنوات… ما فائدتها إذا كنا غير مستعدين الآن؟”
هذه الانتقادات تتقاطع مع تحذيرات بعض الخبراء العسكريين في بولندا الذين يرون أن البلاد “نامت” عن ثورة المسيّرات التي غيّرت موازين المعارك في أوكرانيا.
وبالنسبة للبولنديين، كان يوم الأربعاء يوماً تاريخياً: أول مرة منذ عام 1945 يطلق الجيش النار في معركة ضد غازٍ أجنبي. هذا الحدث هزّ الطبقة السياسية، وفرض مؤقتاً خطاب الوحدة في بلد ممزق بالانقسامات الحزبية.
لكن كما ظهر سريعاً، فإن التهديد الروسي قد يوفّر فقط هدنة قصيرة بين القوى المتخاصمة. ومع اقتراب الانتخابات عام 2027 وتصاعد التوترات الإقليمية، يبقى السؤال: هل تستطيع بولندا تحويل صدمة الطائرات الروسية إلى فرصة لتعزيز أمنها الداخلي وتماسكها السياسي، أم أن الخصومات التقليدية ستعود لتضعف جبهتها الداخلية مجدداً؟
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29642