في مواجهة ضغوط التصعيد التجاري الذي يشنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كشفت قيادة الاتحاد الأوروبي عن خطة طموحة لإنشاء تحالف تجاري عالمي جديد يضم دول الاتحاد الأوروبي وكتلة الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، ويستثني الولايات المتحدة، في محاولة لتعزيز النفوذ الأوروبي في النظام التجاري العالمي الذي شهد اضطرابات كبيرة خلال الأعوام الماضية.
جاء هذا الإعلان خلال قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت في بروكسل، حيث أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الوقت قد حان للاتحاد الأوروبي للتحرك بعيدًا عن أساليب التفاوض التقليدية التي لم تعد تكفي في مواجهة المواقف الأميركية المتقلبة والتكتيكات التي استخدمها ترامب، والتي غيّرت قواعد اللعبة في التجارة العالمية.
استراتيجية جديدة لمواجهة حرب ترامب التجارية
منذ ستة أشهر، قلب ترامب النظام التجاري العالمي رأسًا على عقب، مهددًا بفرض تعريفات جمركية عقابية ثم التراجع أحيانًا إلى حد فتح المفاوضات، لكنه حذر من إعادة فرض الرسوم في حال لم تتوافق الاتفاقات مع مطالبه. ومنذ ذلك الحين، أدت هذه السياسات إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية وأثرت سلبًا على تدفقات التجارة.
في ضوء هذا الواقع، اقترحت ألمانيا، ممثلة برئيسها المستشار فريدريش ميرز، فكرة توحيد الدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي مع 12 دولة عضو في كتلة CPTPP التي تضم دولاً من آسيا والمحيط الهادئ والمملكة المتحدة، لتشكيل تحالف تجاري قوي قائم على قواعد واضحة ومستقرة، قادر على إعادة تصميم نظام التجارة العالمي.
وقالت فون دير لاين في ختام القمة: “هذا المشروع سيُظهر للعالم أن التجارة الحرة مع عدد كبير من الدول ممكنة على أساس قائم على القواعد”، مضيفة أن “قرار انضمام الولايات المتحدة إلى هذا التحالف يعود إلى الطرفين، لكننا نعلم أن الأميركيين قد انسحبوا من الاتفاقية في السابق”.
الابتكار والردّ على التكتيكات الأميركية
قال رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، إن التكتل بحاجة إلى أن يكون “مبتكرًا للغاية” وحتى “غير متوقع” في مواجهة الاستراتيجيات الأميركية التي وصفها بأنها “برية”، في إشارة إلى أساليب ترامب. وأضاف أن الولايات المتحدة ستظل “أقرب شركاء أوروبا”، لكن أوروبا يجب أن تكون قادرة على مجاراتهم.
من جهته، أعرب المستشار ميرز عن دعم قوي للمبادرة، مؤكدًا أن “منظمة التجارة العالمية تعاني من خلل وظيفي منذ سنوات، ونحن بحاجة إلى إيجاد حل بديل يحافظ على التجارة الحرة”.
ومع ذلك، تحذر بعض الأصوات الأوروبية من أن الاقتراح قد يكون مجرد خطة مؤقتة في ظل عدم وضوح مستقبل العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، خصوصًا مع استمرار المفاوضات التي تم الإعلان عنها مؤخراً والتي قد تؤدي إلى اتفاق قبل الموعد النهائي الذي حدده ترامب في التاسع من يوليو، بعده سيبدأ تطبيق رسوم جمركية قد تصل إلى 50% على منتجات الاتحاد الأوروبي.
تغيير في مواقف الاتحاد الأوروبي
خلال الأسابيع الماضية، تحولت مواقف الاتحاد الأوروبي من التفاؤل إلى الحذر، مع تزايد القلق من أن أوروبا قد تضطر لقبول صفقة تجارية أقل مما تطمح إليه لتجنب فرض التعريفات العقابية.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “أفضل شيء هو عدم فرض أي تعريفات جمركية، لكن إذا كانت 10%، فهي ستكون 10%”. كما أكد رئيس ليتوانيا جيتاناس نوسيدا أن أوروبا لا يمكنها سوى “أن تأمل في أن تعاملها الولايات المتحدة كما تعامل المملكة المتحدة”، معتبراً أن المملكة المتحدة تُعامل كشريك مختلف في المفاوضات الأميركية.
مستقبل النظام التجاري العالمي
تأتي هذه الخطوة الأوروبية في وقت يشهد فيه النظام التجاري العالمي تحديات متزايدة بسبب تصاعد السياسات الحمائية، وتراجع دور منظمة التجارة العالمية التي فقدت الكثير من فعاليتها في ظل النزاعات التجارية الكبرى.
يرى الكثيرون أن هذه المبادرة الجديدة يمكن أن تعيد توازن القوى في التجارة الدولية، وتفتح الباب أمام نموذج متعدد الأقطاب في الاقتصاد العالمي بعيداً عن الهيمنة الأميركية المطلقة.
في المحصلة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى ليس فقط لمواجهة الضغوط الأميركية، بل لصياغة مستقبل تجاري جديد يُظهر فيه اتحاد الدول الأوروبية والآسيوية تكتلاً قوياً ومؤثراً في عالم متغير، يعيد رسم قواعد اللعبة التجارية بأدوات جديدة.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29393