للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، تجلس العواصم الأوروبية أمام سؤال كان قبل سنوات يبدو ضربًا من الخيال: كيف ترد على روسيا؟
فبين الطائرات المسيّرة، والتخريب السري، وهجمات المعلومات، وتوغلات المقاتلات والسفن الحربية… يجد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي نفسيهما أمام موسكو أكثر جرأة وعدوانية من أي وقت مضى.
خلال الأشهر الماضية، كثّفت روسيا – عبر أجهزة استخباراتها ووكلائها – حربًا هجينة واسعة تستهدف البنية التحتية، المطارات، السكك الحديدية، وشبكات الملاحة الجوية.
والآن، وبحسب مسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي، تدرس أوروبا خيارات كانت محظورة سياسيًا سابقًا، من عمليات سيبرانية هجومية مشتركة إلى تدريبات عسكرية مفاجئة تُرسل إشارة مباشرة للكرملين.
وقد حلّقت طائرات روسية بدون طيار فوق بولندا ورومانيا، وتسببت مسيّرات مجهولة في تعطيل مطارات وقواعد عسكرية عبر القارة. كما شهدت أوروبا التشويش المتكرر على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، فضلاً عن انفجار في خط سكة حديد بولندي مهم كان يستخدم لنقل مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا.
وقالت وزيرة خارجية لاتفيا، بايبا برازي، في مقابلة: “الروس يختبرون حدود قدرتهم باستمرار. السؤال اليوم: ما هو ردّنا؟ الكلمة لا تكفي… الفعل هو الرسالة”.
وفي ألمانيا، دعا مسؤولون عسكريون إلى “مراجعة حدود الصبر”، مؤكدين أن “استمرار تقبل الهجمات الهجينة لم يعد خيارًا واقعيًا”.
والهجمات الهجينة ليست جديدة على موسكو. فقد شهدت أوروبا خلال العقد الأخير اغتيالات معقدة نفذها عملاء روس في بريطانيا، وتفجيرات في مخازن أسلحة في أوروبا الوسطى، وتمويلًا لأحزاب يمينية متطرفة بهدف إضعاف الاتحاد الأوروبي.
كما تورطت روسيا – بحسب أجهزة استخبارات – في محاولات لقلب نتائج الانتخابات في مولدوفا ورومانيا.
لكن الجديد اليوم هو الحجم والوتيرة. فمنظمة “غلوبسيك” سجلت أكثر من 110 عمليات تخريب وهجوم على أراضي أوروبية بين يناير ويوليو، معظمها في بولندا وفرنسا.
روسيا بدورها لا تخفي التهديد. فقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة فالداي: “نراقب عسكرة أوروبا. السؤال: هل هي مجرد كلام؟ أم حان وقت الرد؟”.
من جهتها أوروبا لا تريد حربًا مفتوحة مع قوة نووية، لكنها باتت مضطرة – كما يقول مسؤولون – لإيجاد مستوى ردع “يزعج موسكو دون أن يستفزها إلى مواجهة مباشرة”.
وصرّح الجنرال السويدي مايكل كلايسون: “لا يمكننا أن نسمح للخوف بتقييدنا. الحزم هو الطريق الوحيد”.
وحتى الآن، بقيت معظم الردود دفاعية. فقد عزز الناتو دفاعاته الجوية على حدوده الشرقية بعد إسقاط طائرات مسيّرة روسية فوق بولندا.
لكن موسكو اعتبرت ذلك “تحركًا عدائيًا”، وهو ما عبّر عنه ديمتري ميدفيديف بتهديد صريح: “على الأوروبيين أن يخافوا ويرتجفوا كقطيع يُساق إلى المذبحة”.
وقد اندلعت مواقف أوروبية غاضبة بعد تكرار التخريب، أبرزها في بولندا حيث نشر الجيش 10 آلاف جندي لحماية البنية التحتية الحيوية. واتهم رئيس الوزراء دونالد توسك موسكو بتنفيذ “إرهاب دولة”.
كذلك طالبت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، برد قوي، معتبرة أن الهجمات تشكل “خطرًا حقيقيًا” على أمن الاتحاد.
وفي إيطاليا، كشف وزير الدفاع غيدو كروسيتو خطة من 125 صفحة تتضمن إنشاء مركز أوروبي لمكافحة الحرب الهجينة وبناء قوة سيبرانية من 1500 مختص ودمج الذكاء الاصطناعي في الأمن والدفاع.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29800