بروكسل تتحرك لمعاقبة المتراجعين عن المبادئ الديمقراطية

تستعد المفوضية الأوروبية لإطلاق خطة مالية غير مسبوقة تهدف إلى تقييد وصول الدول الأعضاء التي تتراجع عن المبادئ الديمقراطية إلى مليارات اليورو من أموال الاتحاد الأوروبي، في خطوة من المتوقع أن تؤجج التوترات، خاصة مع حكومة المجر بقيادة فيكتور أوربان.

وتأتي الخطة ضمن مشروع ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2028-2034، المقرر الكشف عنه رسميًا يوم الأربعاء المقبل، والتي ستدشن بداية مفاوضات شاقة قد تمتد لعامين أو أكثر بين الدول الأعضاء والمؤسسات الأوروبية.

توسيع نطاق الربط بين التمويل والديمقراطية

تسعى بروكسل إلى توسيع آلية “الشرطية” التي كانت تطبق سابقًا على أجزاء محددة من الميزانية الأوروبية، لتشمل جميع أموال الاتحاد، والبالغة حوالي 1.2 تريليون يورو.

وتهدف هذه الآلية إلى معاقبة الحكومات التي تتورط في انتهاكات لمبادئ سيادة القانون، مثل تقييد استقلال القضاء أو قمع الحريات الإعلامية والأكاديمية.

وفق مسودة الخطة التي اطّلعت عليها بوليتيكو، فإن النظام الجديد سيكون “أكثر بساطة وتوحيدًا” من النظام الحالي، وسيسد الثغرات التي سمحت لبعض الحكومات بإعادة توجيه أموال الاتحاد بين برامج مختلفة لتجنب العقوبات المالية.

وقال مسؤول أوروبي إن الخطة تتضمن “رابطًا مباشرًا” بين انتهاك سيادة القانون وبين تعليق المدفوعات المالية المرتبطة بهذا الانتهاك.

المجر في مرمى العقوبات

تواجه المجر بالفعل تجميد ما يقرب من 18 مليار يورو من أموال الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة بسبب ممارسات الحكومة المجرية التي أثارت انتقادات واسعة في بروكسل.

ويخوض أوربان، الذي يروّج لخطاب قومي ومناهض للاتحاد الأوروبي، معركة سياسية داخلية حاسمة، مع اقتراب انتخابات 2026، وسط تراجع شعبيته لصالح منافسه المحافظ المؤيد لأوروبا بيتر ماجيار.

ويرى مراقبون أن المفوضية تستغل نقاط ضعف أوربان السياسية لفرض قواعد أكثر صرامة قبل إقرار ميزانية الاتحاد المقبلة، التي لن يتم التصويت عليها في العواصم الأوروبية قبل عام 2027.

دعم أوروبي واسع… واعتراضات من المجر وسلوفاكيا

حظيت فكرة ربط التمويل الأوروبي بالالتزام بسيادة القانون بدعم عدة حكومات أوروبية، أبرزها فنلندا، التي طالبت في وثيقة موقف رسمية بأن تُطبق “آلية الشرطية” على جميع أموال الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، رفضت المجر بشدة توسيع هذه القواعد، معتبرة أنها “تسمح بممارسة ضغوط سياسية تعسفية في قضايا لا علاقة لها بحماية ميزانية الاتحاد”، وهو الموقف ذاته الذي تبنته سلوفاكيا، التي تواجه بدورها اتهامات متزايدة بانتهاكات سيادة القانون.

استثناءات لصالح المجتمع المدني

رغم تشدد المفوضية، تسعى بروكسل إلى تجنّب إيذاء المجتمع المدني أو المؤسسات التعليمية والأكاديمية في الدول المستهدفة بالعقوبات.

بحسب الخطة، فإن برامج مثل إعانات المزارعين ستظل محمية من العقوبات، لكن التمويل الموجّه إلى برامج أكاديمية مثل برنامج إيراسموس لتبادل الطلاب قد يتعرض للتجميد إذا تأكدت انتهاكات الحرية الأكاديمية أو سيادة القانون.

وقالت مصادر أوروبية إن الفكرة الأساسية هي أن المجتمع المدني “يجب ألا يتحمل وزر أخطاء الحكومات”. ولهذا السبب، تدرس المفوضية نظامًا جديدًا يُعرف باسم “الشرطية الذكية”، يتيح توجيه الأموال مباشرة إلى منظمات المجتمع المدني أو الجامعات، متجاوزًا حكومات الدول المخالفة.

“الشرطية الذكية” تثير الجدل

ورغم الجاذبية الظاهرة للفكرة، تواجه “الشرطية الذكية” انتقادات لأنها قد تُضعف الضغوط على الحكومات المخالفة لإجراء الإصلاحات اللازمة.

قالت فاليري هاير، زعيمة كتلة “رينيو” الليبرالية في البرلمان الأوروبي، إنهم وضعوا “شروطًا واضحة: لا أموال أوروبية للأنظمة الاستبدادية، مع استمرار دعم المجتمع المدني”. وأضافت: “لقد قطعت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين هذا الوعد، والآن عليها الوفاء به”.

ومع اقتراب موعد إعلان الميزانية الجديدة، تبدو بروكسل ماضية في عزمها على استخدام سلاح التمويل كأداة ضغط سياسية، لكن الطريق أمام الخطة لا يزال طويلًا، إذ ستخضع لمفاوضات شاقة قد تعيد رسم حدود العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبعض أعضائه الأكثر جدلًا في قضايا الديمقراطية وسيادة القانون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.