المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يستعدان لمعركة طويلة بشأن اتفاقية الدفاع المشتركة

رغم التصريحات الإيجابية التي صدرت في قمة “إعادة ضبط العلاقات” بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في لندن، لا تزال الخلافات الجوهرية قائمة بين الجانبين حول مستقبل التعاون الدفاعي، لا سيما مشاركة بريطانيا في صندوق الدفاع الأوروبي المشترك “العمل الأمني لأوروبا” (SAFE)، الذي تبلغ ميزانيته 150 مليار يورو.

ففي حين رحّبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باتفاق أمني واسع النطاق إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فإن الاتفاق لم يتضمن التزامات صلبة بشأن المشاركة البريطانية في برامج المشتريات الدفاعية الأوروبية، وهي المسألة التي تمثل لبّ الخلاف بين الطرفين.

تصريحات مطمئنة… لكن دون ضمانات
جاء في الوثيقة التي أعلنت عنها القمة أن “المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يتحملان مسؤولية مشتركة عن أمن أوروبا”، مع تعهد بتنسيق الدعم لأوكرانيا وتعاون في مجالات تشمل الصواريخ والسفن وحتى الأمن الفضائي. لكن المسؤولين الأوروبيين أوضحوا أن هذه اللغة تبقى عامة، ولا تعني منح بريطانيا امتيازات تلقائية في آليات التمويل أو التصنيع العسكري المشترك داخل الاتحاد.

وتأمل لندن في الوصول إلى اتفاق يسمح لها بالانضمام إلى صندوق SAFE، الذي يُتيح للدول الأعضاء اقتراض تمويل مشترك لتحديث معداتها العسكرية. ولكن المفوضية الأوروبية أكدت أن هذه الخطوة تتطلب مفاوضات منفصلة، مع وضع شروط صارمة.

عقبات أمام الاتفاق
وقالت آن فورت، نائبة رئيس مجلس المفوضية الأوروبية لشؤون الدفاع، خلال مؤتمر في لندن، إن على بريطانيا أن تحدد مساهمتها المالية بوضوح، بالإضافة إلى ما إذا كانت مستعدة لفتح المجال أمام شركاتها للمشاركة وفق القواعد الأوروبية. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يضع حالياً سقفاً بنسبة 35% للمكونات المصنعة خارج التكتل، وهو ما قد يحد من استفادة الشركات البريطانية من المشاركة.

وبينما ترى بعض الدول الأعضاء أن الشراكة مع بريطانيا ضرورية في ظل تصاعد التهديدات الأمنية، لا سيما الحرب في أوكرانيا وتراجع الالتزام الأمريكي بأمن القارة، فإن هناك جناحاً آخر في الاتحاد لا يزال يتعامل مع لندن من منطلق الإرث الثقيل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأوضح دبلوماسي أوروبي أن هناك “جيلاً كاملاً من المسؤولين” شاركوا في مفاوضات بريكست ولا يزالون يرغبون في معاملة بريطانيا بصرامة، بينما دعا آخرون إلى “نهج أكثر براجماتية” يراعي السياق الجيوسياسي الحالي.

خلافات صناعية وتجارية
من جانبه، حذر بن جونز، الباحث في كينجز كوليدج بلندن، من أن الاتفاق الحالي “طويل في المبادئ وقصير في الالتزامات”، خاصة في ما يتعلق بالجانب الصناعي الدفاعي، مشيراً إلى أن المفاوضات المقبلة ستكون شاقة، خصوصاً حول كيفية توزيع العقود ومشاركة الشركات.

في هذا السياق، شدد دبلوماسي أوروبي على ضرورة أن “لا تُستخدم مساهمة بريطانيا لتعزيز قطاعها الصناعي فقط”، بل ينبغي أن تسهم أيضاً في تقوية الصناعات الدفاعية الأوروبية، وهو ما يتطلب توازناً دقيقاً في توزيع الفرص والمنافع.

ورغم ما يُحكى عن إمكانية تخفيف شرط الـ35% في بعض الحالات لجذب بريطانيا، إلا أن الاتحاد الأوروبي قد يفرض قيوداً تُقصر مشاركة المملكة المتحدة على الاقتراض لمشروعات محددة فقط، دون منحها دوراً أوسع في تحديد أولويات الإنفاق الدفاعي.

فرنسا… الخصم والشريك
تلعب فرنسا، التي خرجت من قمة لندن وهي تحتفل بمكاسبها في ملف حقوق الصيد، دوراً محورياً في رسم مستقبل العلاقة الدفاعية مع لندن. ووفقاً لدبلوماسيين مطلعين، فإن باريس تضغط باتجاه تقليص انخراط بريطانيا في صندوق SAFE، رغم اعتماد العديد من شركاتها الدفاعية الكبرى على سلاسل توريد تمتد عبر المملكة المتحدة.

لكن في الوقت نفسه، هناك إدراك متزايد أن توسيع التعاون الدفاعي الأوروبي ليشمل بريطانيا قد يمثل خطوة استراتيجية لمواجهة التحديات المشتركة، من صعود الصين إلى التهديدات الروسية المتواصلة.

طريق شائك… ونوايا متضاربة
قال مسؤول بريطاني إن لندن ترغب في “التحرك بسرعة” فور وضوح موقف الاتحاد الأوروبي، لكن تبقى الخلافات حول تفاصيل الشراكة عائقاً أمام التقدم الفعلي.

وفي إشارة إلى الحاجة العاجلة للتعاون، قال آندي ستارت، مدير التسليح الوطني البريطاني: “علينا أن نكون واقعيين… لا يمكننا مجاراة الصين في تطوير قدراتنا الدفاعية ما لم نتحرك معاً”.

رغم هذا الطموح، فإن المفاوضات المقبلة بين بروكسل ولندن لن تكون سهلة، بل مرشحة لأن تتحول إلى معركة طويلة الأمد، تتداخل فيها المصالح التجارية مع الحسابات السياسية والموروثات القديمة لصراع بريكست. وحتى ذلك الحين، يبقى التفاؤل حاضراً… ولكن من دون خريطة طريق واضحة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.