تواجه رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن وحزبها الديمقراطي الاجتماعي تحديات سياسية كبيرة مع اقتراب الانتخابات المحلية، المقررة يوم الثلاثاء، والتي يُتوقع أن تشهد هزيمة تاريخية للحزب في كوبنهاغن، المدينة التي حكمها الاشتراكيون الديمقراطيون على مدار 122 عامًا.
ويأتي هذا التحول في موقف الناخبين نتيجة تصاعد أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات، إلى جانب استياء من التحولات السياسية للحزب نحو الوسط واليمين في بعض القضايا.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي قد يفقد سيطرته على مجلس مدينة كوبنهاغن، ما يمثل صدمة تاريخية للطبقة السياسية وللأسرة الاشتراكية الأوروبية.
ويُعزى ذلك أساسًا إلى أزمة السكن في العاصمة الدنماركية، حيث ارتفعت أسعار الشقق بنسبة تصل إلى 29% خلال السنوات الأربع الماضية، ما جعل من الصعب على الشباب والأسر ذات الدخل المحدود العثور على مسكن.
وأدى هذا الارتفاع الحاد في الأسعار إلى نزوح العمال ذوي الدخل المتوسط والمنخفض من المدينة، في حين ظل الكثير من الأغنياء والمهنيين الشباب في وسط العاصمة، ما حول قاعدة الحزب التقليدية إلى مجتمع حضري راقٍ يصعب الوصول إليه سياسيًا.
وإلى جانب أزمة السكن، أثارت التحولات السياسية للحزب الديمقراطي الاجتماعي جدلاً واسعًا بين الناخبين.
فقد تبنت فريدريكسن استراتيجية وسطية تميل نحو التحالف مع الأحزاب الليبرالية الاقتصادية، فضلاً عن اتخاذ موقف صارم من الهجرة، وهو ما ساعد على تعزيز الدعم في المدن الصغيرة والريفية ولكنه أضعف من مكانة الحزب في المناطق الحضرية مثل كوبنهاغن.
ويشير محللون إلى أن الحزب ابتعد عن جذوره العمالية والتزاماته السابقة بقضايا العدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي، وهو ما انعكس سلبًا على شعبيته بين السكان الحضريين التقدميين.
على المستوى المحلي، تضرر الحزب أيضًا من أخطاء القيادة السابقة. استقال العمدة السابق فرانك جنسن في عام 2020 بعد مزاعم تحرش جنسي، وتم نقل خليفته صوفي هيستورب أندرسن إلى منصب وزاري في عام 2023 في خطوة أثارت تساؤلات حول قدرة الحزب على إعادة ترسيخ السلطة في كوبنهاغن.
وعليه، تم تقديم بيرنيل روزينكرانتز-ثيل كمرشحة رئيسية، لكنها لم تتمكن من كسب ثقة الناخبين، خاصة بعد أن فشلت في تقديم حلول ملموسة لأزمة السكن، وظهرت بعض التناقضات في موقفها بشأن السياسات البيئية وحقوق السائقين في المدينة.
وتعتبر الانتخابات بمثابة استفتاء أيضًا على السياسة الوطنية التي انتهجتها فريدريكسن منذ عام 2019. بينما حظيت سياساتها الدفاعية ودعمها لأوكرانيا بشعبية واسعة، فإن موقفها المتشدد تجاه الهجرة وأسلوب الخطاب السياسي للحزب أضعف من مكانتها في المناطق الحضرية المتنوعة. حيث يشكل غير المواطنون نحو 20% من الناخبين في كوبنهاغن، وهم فئة متأثرة بشكل كبير بالسياسات المتشددة ضد الأجانب.
ويشير المحللون إلى أن خسارة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في كوبنهاغن ستكون بمثابة تحذير واضح ليس فقط لفريدريكسن بل لتيار يسار الوسط في أوروبا بأكمله.
ففي الوقت الذي تركز فيه الأحزاب الأخرى على القضايا الاجتماعية والقدرة على تحمل التكاليف مثل أزمة الإسكان، فإن الحزب الدنماركي يظهر تراجعًا عن دوره التقليدي في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والطبقات الوسطى الحضرية.
ويضيف المحلل السياسي كارستن ماي: “الاشتراكيون الديمقراطيون نجحوا في تحويل كوبنهاغن إلى مدينة عالمية نموذجية، لكن هذا التحول جاء على حساب الطبقة العاملة التي فقدت قدرتها على البقاء في المدينة، مما أدى إلى تقويض قاعدة الحزب التقليدية”.
ويشير وينثر، معلق سياسي، إلى أن التحول نحو اليمين والحلول الوسطى للحزب، رغم أنه ضيق الخناق على اليمين المتطرف، إلا أنه خلق ارتباكًا حول المبادئ الحقيقية للحزب.
في النهاية، انتخابات يوم الثلاثاء ستكون اختبارًا حاسمًا لرئيسة الوزراء فريدريكسن وحزبها الديمقراطي الاجتماعي، وستحدد مدى قدرتهم على استعادة الثقة بين الناخبين الحضريين والتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية.
وفي حال فشل الحزب في إعادة ضبط سياساته، فقد يشهد الحزب تحولًا سياسيًا كبيرًا يغير موازين القوة المحلية في كوبنهاغن ويفتح الطريق لقوى يسارية أكثر تشددًا للسيطرة على المجلس المحلي.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29772