بعد مرور عام على تولي كير ستارمر منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة، ما تزال النقابات العمالية تضغط بقوة على الحكومة الجديدة التي يقودها حزب العمال، مطالبين بتحسينات واسعة في أجور القطاع العام وحقوق العمل، رغم الإنجازات التي تحققت حتى الآن.
النقابات التي كانت أحد أبرز دعائم حزب العمال في الانتخابات الماضية، تعتبر أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، بما في ذلك الزيادات في الأجور وقانون حقوق العمل الجديد، لم تلبي طموحات العمال في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية. هذا الضغط يأتي في ظل اقتصاد بريطاني يعاني ركودًا وضعفًا في النمو، ما يجعل تحقيق المطالب تحديًا للحكومة.
إنجازات على الورق… وضغوط مستمرة على الأرض
خلال السنة الماضية، أقر حزب العمال سلسلة من الزيادات في أجور موظفي القطاع العام الذين عانوا من تجميد الرواتب لسنوات تحت حكومة المحافظين. فقد حصل المعلمون على زيادة 5.5%، وسائقو القطارات على زيادة وصلت إلى 15% سنويًا، بينما نال الأطباء المقيمون زيادة 22.3% على مدى عامين. كما أُقر مشروع قانون حقوق العمل الذي يحظر بعض أشكال التوظيف غير المستقرة ويمنح العمال حقوقًا أوسع في الطعن ضد الفصل التعسفي.
لكن النقابات، ومن بينها مؤتمر نقابات العمال الذي يمثل نحو 5.5 مليون عامل، ترى أن هذه الإنجازات ليست كافية. بول نوفاك، الأمين العام للمؤتمر، قال إن الحكومة أظهرت نوايا إيجابية لكنها بحاجة لأن تقدم أكثر، خصوصًا مع تفاقم أزمات التمويل وقلة الموظفين في الخدمات العامة.
الاقتصاد الراكد يعقد الموقف
الحالة الاقتصادية المتعثرة تزيد من تعقيد قدرة الحكومة على تلبية المطالب النقابية. مسؤول عمالي من داخل حزب العمال قال إن العلاقات بين الحزب والنقابات “متوترة إلى حد ما” بسبب الركود الاقتصادي وعدم وضوح الاتجاه المستقبلي للاقتصاد البريطاني.
كما أن وزيرة المالية راشيل ريفز فرضت قواعد صارمة على الإنفاق، ما يعني أن الحكومة قد لا تتمكن من الاستجابة بسهولة لمطالب الزيادات الجديدة في الأجور.
أزمة في قطاع الصحة
أزمة نقص الموظفين وانخفاض الرواتب في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) تجلت بشكل جلي خلال الأشهر الأخيرة. الجمعية الطبية البريطانية، التي تمثل الأطباء، اعتبرت الزيادة المقترحة من هيئة مراجعة الأجور بواقع 5.4% للفترة 2025-2026 “غير كافية” ولا تعيد الرواتب لمستويات عام 2008. الاتحاد الطبي يستعد لتنظيم إضراب طويل الأمد قد يصل إلى ستة أشهر.
إيما رانزويك، نائبة رئيس مجلس الجمعية، أوضحت أن هيئة الخدمات الصحية تعاني نقصًا حادًا في عدد الموظفين بسبب تدني الأجور وتردي ظروف العمل. في المقابل، يطالب وزير الصحة ويس ستريتنج الأطباء بالتعاون مع الحكومة وعدم اللجوء للإضراب، لكنه أكد في الوقت نفسه عدم وجود أموال إضافية لزيادة الرواتب.
مطالب متزايدة وواقع مالي محدود
النقابات تشدد على ضرورة تمويل أفضل للقطاع العام للتعامل مع أزمات التوظيف والحفاظ على جودة الخدمات، فيما الحكومة تدعو إلى ضبط الإنفاق في ظل ديون عامة مرتفعة. هذا التعارض يجعل من الصعب على الحكومة إرضاء جميع الأطراف.
ومع استمرار النقابات في الضغط على حزب العمال من أجل المزيد من الإجراءات لتحسين ظروف العمال وزيادة الأجور، تجد الحكومة نفسها في موقف صعب بين الاضطرار للوفاء بوعودها الانتخابية وبين الضغوط الاقتصادية والمالية التي تقيد إمكاناتها.
ورغم بعض الانتصارات التي حققتها النقابات في السنة الماضية من خلال زيادة الأجور وقانون حقوق العمل، فإن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها بريطانيا تعني أن مطالب العمال ستبقى على رأس الأجندة السياسية، مع استمرار توتر العلاقة بين النقابات وحزب العمال الحاكم، الذي يحاول إيجاد توازن دقيق بين التزاماته تجاه قاعدة الناخبين ومتطلبات الاقتصاد الوطني.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29403