يبدو أن الولايات المتحدة أقرب من أي وقت مضى إلى خطوةٍ غير مسبوقة في تاريخ مكافحة الاحتكار: تفكيك شركة جوجل عبر إجبارها على فصل متصفحها “كروم”. هذه القضية، التي تترقبها أوروبا بقلق وترقب، قد تشكّل لحظة فارقة في مستقبل تنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى عالميًا.
ومن المتوقع أن تصدر محكمة مقاطعة كولومبيا حكمها خلال أيام بشأن طلب وزارة العدل الأمريكية بإجبار جوجل على فصل كروم، باعتبار أن الشركة أساءت استخدام هيمنتها على البحث والإعلانات الرقمية.
وفي حال قضت المحكمة بالتفكيك، سيكون ذلك أول إجراء من نوعه ضد عملاق تكنولوجي أمريكي منذ تفكيك شركة “AT&T” في ثمانينيات القرن الماضي، مع ما يحمله من تداعيات اقتصادية وسياسية عالمية.
أوروبا: الرائدة السابقة التي تنتظر واشنطن
رغم أن المفوضية الأوروبية كانت سبّاقة في ملاحقة جوجل منذ عام 2017 عبر قضايا مكافحة الاحتكار (مثل قضية “جوجل للتسوق”)، فإنها لم تذهب أبعد من فرض الغرامات أو فرض تدابير تنظيمية شبه هيكلية، مثل “الجدران الصينية” أو إلزام التشغيل البيني.
عندما طرحت مارغريت فيستاجر، مفوضة المنافسة آنذاك، فكرة التفكيك في 2023، أثارت صدمة كبرى داخل بروكسل. لكن المناخ السياسي، وضغط إدارة ترامب التي أوضحت أنها ستدافع عن شركاتها ضد أي تدخل أوروبي، كبّلا يد الاتحاد الأوروبي.
اليوم، يقرّ خبراء بأن أي قرار فعلي بتفكيك جوجل لا يمكن أن يأتي إلا من الولايات المتحدة. كما قال كريستيان كرول، الرئيس التنفيذي لمحرك البحث الألماني “إيكوزيا”: “إذا اتخذ قرار كهذا، فلن يكون إلا من الولايات المتحدة”.
كروم.. جائزة ثمينة ومشكلة معقدة
يمثل متصفح كروم أحد أعمدة الإنترنت الحديثة، ما يجعل بيعه القسري قضية معقدة.
شركات مثل Perplexity AI أعلنت استعدادها لتقديم عروض ضخمة (34.5 مليار دولار)، لكن خبراء يشككون في قدرة أي شركة منفردة على شراء كروم دون خلق مشكلة احتكار جديدة.
كرول اقترح فكرة جريئة: تحويل كروم إلى مؤسسة غير ربحية أمريكية لإدارته بشكل مستقل، لكن مثل هذا الطرح لا يزال بعيدًا عن الواقع العملي.
بعض الأصوات في مجتمع الويب المفتوح تحذر من أن فقدان استثمارات جوجل الضخمة في تطوير معايير الإنترنت سيؤدي إلى “كارثة للنظام البيئي للويب”.
أوروبا بين الحذر والقيود السياسية
الاتحاد الأوروبي يقف الآن في موقع صعب:
سياسيًا: إدارة ترامب تعارض بشدة أي تدخل خارجي ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية، ما يضع بروكسل في مواجهة مباشرة إذا سارت في هذا المسار.
اقتصاديًا: شركات أوروبية لا تمتلك الحجم المالي أو التقني الكافي للاستحواذ على “كروم”، ما يعني أن أي عملية بيع ستظل محصورة بين عمالقة أمريكيين آخرين.
تشريعيًا: رغم قوة قانون الأسواق الرقمية (DMA)، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال مترددًا في تفعيل “الخيار النووي” بتفكيك شركة كبرى.
تداعيات عالمية محتملة
الحكم الأمريكي، إذا صدر، لن يكون سوى بداية لمسار طويل: جوجل ستستأنف، ما قد يُبقي القضية في أروقة المحاكم حتى عام 2028.
في هذه الأثناء، ستتسابق الشركات الأمريكية العملاقة والناشئة لتقديم عروض شراء، ما قد يُعيد رسم خريطة الإنترنت.
وعليه فإن أوروبا قد تجد نفسها مضطرة لمواءمة قواعدها مع الواقع الجديد، وربما ستكثف ضغطها عبر قوانين المنافسة الخاصة بها.
لكن في المقابل، يرى خبراء أن أي تفكيك قد يؤدي إلى ارتباك شديد في النظام الرقمي العالمي، مع احتمال تضرر المستهلكين على المدى القصير بسبب فقدان التكامل بين الخدمات.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29605