ماذا بعد أن تحقق الاتحاد الأوروبي من أن إسرائيل تنتهك التزاماتها بحقوق الإنسان؟

في لحظة سياسية غير مسبوقة، خلصت خدمة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى وجود “مؤشرات” على أن إسرائيل تنتهك التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، بفعل سلوكها العسكري والسياسي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية.

يأتي ذلك في ظل حرب مدمرة مستمرة منذ شهور، خلّفت آلاف القتلى ومجاعات ونزوح جماعي، ما زاد من الضغوط على بروكسل لاتخاذ موقف سياسي واضح تجاه تل أبيب.

ما الذي حدث بالضبط؟

تأتي هذه الخلاصة ضمن مراجعة رسمية جارية لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي أُطلقت الشهر الماضي بقرار من الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس.

وتُعتبر الاتفاقية، الموقعة عام 2000، الإطار الذي ينظم العلاقات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد والدولة العبرية، وتغطي مجالات التجارة، والبيئة، والبحث العلمي، والتعاون الأمني.

لكن ما يجعلها مثيرة للجدل هو المادة الثانية منها، التي تنصّ على أن “احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية هو عنصر أساسي في هذه الشراكة”.

تحت ضغط متزايد من بعض العواصم الأوروبية، خاصة بعد تقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة عن حصار إنساني قاتل على غزة، اضطرت بروكسل إلى مراجعة مدى التزام إسرائيل بهذه المادة.

ماذا تقول الوثيقة المسربة؟

الوثيقة، التي لا تزال مسودة غير منشورة رسميًا، لا تُدين إسرائيل بشكل مباشر، لكنها تستخدم لغة دبلوماسية حذرة تشير إلى “وجود مؤشرات واضحة على انتهاكات حقوق الإنسان”، تشمل الاستخدام المفرط للقوة، عرقلة دخول المساعدات الإنسانية، التهجير القسري، والهجمات المتكررة على المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

ووفقًا للمعلومات المتوفرة، سيتم تقديم هذه المسودة إلى الحكومة الإسرائيلية قريبًا، بينما ستُعرض نتائج المراجعة الأولية خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل في بروكسل.

هل تم اتخاذ قرار سياسي؟

حتى الآن، لم يُتخذ أي قرار رسمي بتغيير العلاقة مع إسرائيل، سواء عبر تعليق التجارة أو تجميد التعاون. لكن بحسب دبلوماسيين مطلعين، ستقترح كايا كالاس في يوليو/تموز قائمة بالخيارات أمام وزراء الخارجية، تشمل:

تعليق جزئي أو كامل للمزايا التجارية بموجب الاتفاقية.

تجميد مشاركة إسرائيل في برامج علمية وأكاديمية أوروبية مثل Horizon Europe.

فرض قيود على التعاون الأمني والتكنولوجي.

إصدار بيان رسمي يدين الانتهاكات دون فرض عقوبات.

هل ستُطبق هذه الخيارات؟

من الناحية النظرية، يمكن اتخاذ مثل هذه التدابير إذا ثبت انتهاك أحد الأطراف لبنود اتفاق الشراكة، خاصة تلك المرتبطة بحقوق الإنسان. لكن من الناحية الواقعية، يتطلب تنفيذ أي إجراء فعلي توافقاً بين الدول الأعضاء في الاتحاد، وهو أمر غير مضمون، في ظل الانقسام الأوروبي الحاد حيال إسرائيل.

في حين تؤيد دول مثل إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا تشديد الضغط على إسرائيل، ترفض دول أخرى مثل ألمانيا والمجر وإيطاليا والنمسا أي خطوة قد تُعتبر عداءً للدولة العبرية، وتُفضل المقاربات “الهادئة والدبلوماسية”.

السياق الميداني يزيد الضغوط

يأتي هذا التحول في موقف الاتحاد الأوروبي في وقت تتدهور فيه الأوضاع الإنسانية في غزة بشكل غير مسبوق. فالمنظمات الدولية تحذر من مجاعة شاملة، فيما تقارير موثقة تحدثت عن إطلاق نار متكرر على المدنيين الفلسطينيين الذين يصطفون للحصول على الطعام، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية، ونزوح أكثر من 1.7 مليون شخص داخل القطاع.

في الضفة الغربية، تواصل سلطات الاحتلال سياسات التهجير القسري وبناء المستوطنات، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “جزء من سياسة ممنهجة للفصل العنصري”.

ماذا تعني هذه المراجعة فعليًا؟

رغم تحفظ لغة الاتحاد الأوروبي، إلا أن مجرد وجود مراجعة تستند إلى “المادة الثانية” يُعتبر سابقة سياسية خطيرة في العلاقة بين بروكسل وتل أبيب. فهي المرة الأولى التي يُلمح فيها الاتحاد إلى تدهور في الالتزام الإسرائيلي بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان بموجب اتفاق رسمي.

لكن تبقى المسافة بين التقييم النظري والإجراء العملي كبيرة، خاصة في ظل تعقيدات قانونية وسياسية، واستمرار الحرب بين إسرائيل وإيران، ما يُضعف تركيز الاتحاد على الملف الفلسطيني.

هل ستُغيّر إسرائيل سياستها؟

من غير المرجح أن تُبدي الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو أي مرونة تجاه هذا التقييم، خاصة أن تل أبيب تعتمد على انقسام الاتحاد الأوروبي كدرع سياسي يمنع فرض أي عقوبات حقيقية.

وحتى لو فرض الاتحاد الأوروبي قيودًا جزئية، مثل إعادة الرسوم الجمركية أو تجميد بعض البرامج، فإن الخطوة لن تشكل ضغطًا اقتصادياً مؤثراً على إسرائيل، لكنها ستكون رمزية وقانونية بالغة الأهمية.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي لم يتجاوز بعد عتبة القرارات الصارمة، فإن المراجعة الحالية تُشكل منعطفًا مهمًا في العلاقة مع إسرائيل. إنها لحظة اختبار لمدى استعداد بروكسل لاستخدام أدواتها السياسية والقانونية للتحرك دفاعًا عن حقوق الإنسان، وليس فقط الاكتفاء بالتعبير عن “القلق العميق”. الأيام القادمة ستكشف إن كانت أوروبا مستعدة أخيرًا لترجمة كلماتها إلى أفعال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.