بروكسل تتحرك لإلغاء “قانون الكوكيز” المثير للجدل

بعد أكثر من 15 عامًا من إرهاق مستخدمي الإنترنت بلافتات الموافقة على ملفات تعريف الارتباط (Cookies)، تستعد المفوضية الأوروبية لإلغاء أحد أكثر القوانين التكنولوجية إثارة للجدل.

إذ تبحث بروكسل عن بديل أبسط وأكثر فاعلية، في محاولة لتقليص البيروقراطية وتحقيق توازن بين حماية الخصوصية وتعزيز القدرة التنافسية لصناعة التكنولوجيا الأوروبية.

ويعود القانون الحالي إلى تعديل صدر عام 2009 على توجيه الخصوصية الإلكترونية، الذي ألزم المواقع الإلكترونية بالحصول على موافقة المستخدمين قبل تثبيت ملفات تعريف الارتباط، باستثناء الحالات “الضرورية للغاية” لتقديم الخدمة.

النتيجة كانت فيضانًا من النوافذ المنبثقة التي سرعان ما اعتاد المستخدمون على تجاهلها، وهو ما أضعف مفهوم “الموافقة المستنيرة” وأفرغها من مضمونها.

يقول المحامي المتخصص في بيانات التكنولوجيا، بيتر كرادوك: “الإفراط في الموافقة يُفسد الموافقة. الناس يضغطون على زر القبول دون قراءة، ما يجعل العملية شكلية وفاقدة للمعنى”.

خطط المفوضية الأوروبية

تدرس المفوضية الأوروبية الآن مقترحًا لتبسيط القواعد، من المقرر تقديمه في ديسمبر 2025. ويشمل السيناريوهات المطروحة:
توسيع الاستثناءات ليشمل ملفات تعريف الارتباط ذات الأغراض الإحصائية أو التقنية البسيطة.
تمكين المستخدمين من تعيين تفضيلاتهم مرة واحدة عبر إعدادات المتصفح، بدلًا من مواجهة لافتات متكررة على كل موقع.

هذه الأفكار نوقشت بالفعل في اجتماع مع قطاع التكنولوجيا والمجتمع المدني في منتصف سبتمبر. كما طرحت الدنمارك، التي تتولى رئاسة المجلس الأوروبي، مقترحًا مشابهًا في مايو يقضي بإلغاء لافتات الموافقة لأنواع محدودة من ملفات تعريف الارتباط “غير الضارة”.

صراع جماعات الضغط

محاولة الإصلاح تضع بروكسل أمام مواجهة متجددة بين جماعات الصناعة والمنظمات الحقوقية:

من جانب، يرى قطاع التكنولوجيا أن دمج قواعد الكوكيز في اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) سيكون أكثر مرونة. فالـ GDPR يعتمد نهجًا قائمًا على المخاطر، يسمح بالاستناد إلى أسس قانونية أخرى مثل “المصلحة المشروعة”.

في المقابل، تحذر منظمات مثل الحقوق الرقمية الأوروبية من أن توسيع الاستثناءات يفتح الباب أمام شركات الإعلانات لإخفاء أدوات التتبع تحت مسمى “ضروري” أو “أساسي”.

تقول المستشارة إيتكساسو دومينغيز دي أولازابال: “التركيز على الكوكيز أشبه بإعادة ترتيب الكراسي على متن سفينة تيتانيك. المشكلة الحقيقية هي الإعلانات المراقبة، وتوسيع الاستثناءات قد يُشرعن ممارسات تتبعية أوسع”.

البعد السياسي والتشريعي

الموضوع له بعد سياسي يتجاوز ملف الكوكيز. فقد سحبت المفوضية في فبراير الماضي مقترح لائحة الخصوصية الإلكترونية الذي ظل معلقًا منذ 2017، وهو ما اعتُبر مكسبًا لأجندة أورسولا فون دير لاين الرامية لتقليص الأعباء التنظيمية.

لكن النقاش لن يتوقف هنا. فمن المتوقع أن تعود المواجهة العام المقبل مع طرح “قانون العدالة الرقمية”، وهو تشريع أوسع يركز على تنظيم الإعلانات الرقمية وحماية المستهلك من التخصيص المضلل أو التصميمات المتلاعبة.

بين الخصوصية والابتكار

يصرّ ممثلو الصناعة على أن هدفهم ليس تقليص حماية البيانات، بل تبسيطها لجعلها أكثر واقعية.

يقول فرانك توماس، مدير السياسات في IAB Europe: “نريد الحفاظ على التوازن بين حماية الخصوصية وضمان القدرة التنافسية. لا يمكن أن تظل الصناعة الأوروبية مثقلة بقيود لا تطبق بنفس الصرامة على منافسين عالميين”.

لكن منظمات المجتمع المدني ترى أن أي تبسيط قد يكون تراجعًا مقنّعًا في معايير الخصوصية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من هيمنة أنظمة الإعلانات المستهدفة على الاقتصاد الرقمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.