بوتين يضيع فرصته للهروب من كارثة أوكرانيا

ثلاث سنوات مرت على انطلاق الغزو الروسي الواسع لأوكرانيا في فبراير 2022، ومع ذلك، لا تزال روسيا تواجه مأزقًا متزايدًا، يهدد مصير نظامها السياسي والاقتصادي. من خلال استعراض تحركات الرئيس فلاديمير بوتين خلال هذه الحرب، يتبين أنه أضاع فرصة تاريخية للخروج من كارثة عسكرية وسياسية ربما كان من الممكن تجنبها، خصوصًا في ظل انطلاق إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قدمت له عرضًا دبلوماسيًا قد يكون نجاته.

فرصة ترامب الضائعة وبوتين المتغطرس
مع تولي ترامب منصبه في يناير 2017، كانت هناك آمال لدى الكرملين بأن سياسة واشنطن ستتغير وتصبح أكثر انفتاحًا للتفاوض مع روسيا. فقد عبّر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن تفاؤله حيال الإدارة الجديدة، مشيرًا إلى موقف أمريكي “أكثر توازنًا” تجاه الصراع في أوكرانيا. وترافق ذلك مع مبادرات من إدارة ترامب لضغط أوكرانيا لتقديم تنازلات، وإشارات إلى إمكانية تقديم روسيا تنازلات مقابل وقف إطلاق النار.

لكن بوتين، كما يشير المحلل إريك سياراميلا، كان “جشعًا”، إذ اعتقد أنه يستطيع الحصول على أكثر مما عُرض عليه. الصفقة التي قدمتها إدارة ترامب كانت تلبي الحد الأدنى من أهداف موسكو: الاعتراف بسيطرة روسيا على القرم وأربع مناطق أخرى، عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو بعد الحرب، وتخفيف العقوبات الاقتصادية. كانت هذه صفقة من شأنها أن تحول روسيا من منبوذ دولي إلى شريك اقتصادي للولايات المتحدة.

رفض بوتين هذه الصفقة المتاحة، مفضلاً إصراره على فرض شروط سياسية وعسكرية تعطيه السيطرة الكاملة على أوكرانيا، وهو ما لم يستطع تحقيقه عبر المعارك. وبذلك، أضاع فرصة ثمينة لتجنب مزيد من الخسائر العسكرية والاقتصادية.

مأزق بوتين المستمر: الحرب التي لا تنتهي
بعد ثلاث سنوات من الحرب، لم تستطع روسيا فرض سيطرتها حتى على كامل منطقة دونيتسك، ناهيك عن أوكرانيا بأكملها. جيشها عانى من خسائر فادحة، ويواجه مقاومة متزايدة بدعم أوروبي وأمريكي. على الرغم من امتلاك روسيا اليد العليا، إلا أن أوكرانيا تزداد قوة وصلابة، مما يجعل الحسم العسكري أمراً بعيد المنال.

يبدو أن بوتين يعيش في وهم أنه قادر على تحقيق أهدافه عن طريق الضغط العسكري والسياسي، لكنه في الواقع صنع لنفسه كابوسًا. فقد حول الحرب أوكرانيا إلى خصم أقوى وأكثر انتماءً لأوروبا، وهو عكس ما كان يسعى إليه.

تحليل أعمق: فشل قراءة بوتين للواقع الأوكراني
من الخطأ الكبير لبوتين أن يستخف بإرادة الشعب الأوكراني في الصراع. فالتحدي الذي يواجهه لا يمكن حله بالقصف أو الحصار. فقد رأيت بنفسك في زيارتك إلى كييف كيف أن الأوكرانيين يتمسكون بصمودهم رغم الدمار المستمر، ويواصلون القتال والتحدي. من الواضح أن بوتين يعتقد أن القصف المكثف قد يكسر إرادة أوكرانيا، وهو تصور خاطئ يدفع بالحرب إلى المزيد من التعقيد والتدمير.

كما أن الأهداف التي أعلنها بوتين عند بدء العملية العسكرية الخاصة، من منع “المعادية لروسيا” على حدود بلاده، تبدو اليوم بعيدة المنال، بل معاكسة لما تم تحقيقه. فالحرب لم تحقق سوى تعزيز الهوية الأوكرانية المستقلة، وتعميق العزلة الروسية.

هل يمكن لترامب أن يكون المنقذ؟
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، تبقى هناك تكهنات حول ما إذا كان ترامب سيسعى لاستئناف المفاوضات بشكل فعال أم سيتراجع عن أي دور في إنهاء الصراع، كما هدد سابقًا. في حالة انسحابه، فستبقى الحرب مستمرة، وربما تتصاعد، مع تداعيات كارثية على كلا الجانبين والمنطقة بأكملها.

هناك رأي يفيد بأن ترامب، في حال عاد لممارسة تأثيره، يمكن أن يرفع من كلفة الحرب على روسيا بما يدفع بوتين إلى إعادة تقييم خياراته. لكنه يحتاج إلى خطة متكاملة تُظهر أن استمرار القتال لم يعد يصب في مصلحة روسيا.

السيناريوهات المستقبلية
إذا استمر بوتين على نهجه الحالي، فإن المواجهة العسكرية ستتواصل، مع المزيد من الخسائر والدمار. المدن الأوكرانية ستتعرض للقصف المستمر، وستدفع روسيا أيضًا ثمناً باهظًا، لا سيما مع تصاعد المقاومة الأوكرانية ودعم الغرب.

على الصعيد الدبلوماسي، فإن فرص الحل تظل ضئيلة ما لم يتم تعديل المواقف الروسية، وهو أمر يبدو صعبًا في ظل الجمود السياسي داخل روسيا وحالة التصلب التي تسيطر على قادة الكرملين.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن بوتين أضاع فرصة نادرة للهروب من كارثة أوكرانيا. عناده وتقديره الخاطئ للموقف السياسي والعسكري، ورفضه لصفقة كانت يمكن أن توفر له مخرجًا شرفيًا، أديا إلى وضع روسيا في مأزق مستمر يزيد من تكلفة الحرب ويتسبب في تعميق العزلة الدولية للبلاد.

وبينما يواصل الصراع، تظل الأهداف الروسية بعيدة المنال، وتظل أوكرانيا ترسخ هويتها الوطنية وتكسب دعمًا دوليًا متزايدًا، مما يجعل من المستبعد أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2022.

في هذا المشهد المعقد، تبقى الكرة في ملعب القادة الروس، الذين يجب أن يختاروا بين الاستمرار في نزيف الحرب أو الانخراط في مفاوضات حقيقية تؤدي إلى سلام مستدام، وهو خيار يبدو حتى الآن بعيد المنال في ظل التصلب المستمر لبوتين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.