يؤدي كارول ناوروكي، الرئيس البولندي المنتخب حديثًا، اليمين الدستورية يوم الأربعاء لولاية مدتها خمس سنوات، في لحظة توصف بأنها بداية حقبة من الجمود السياسي في بولندا، في ظل التوتر المتصاعد مع رئيس الوزراء الليبرالي دونالد توسك.
وقد فاز ناوروكي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو/حزيران بهامش ضيق، في نتيجة مثّلت نكسة كبيرة لحكومة توسك الائتلافية، التي تسعى لإعادة بناء العلاقة المتصدعة بين وارسو وبروكسل، واستعادة سيادة القانون، التي قوضتها حكومة حزب “القانون والعدالة” السابقة.
انقسام سياسي حاد: من بروكسل إلى وارسو
يرى مراقبون أن وصول ناوروكي، القومي المتحالف علنًا مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى سدة الرئاسة سيُعقّد جهود توسك في استكمال أجندته الإصلاحية، وسيعيد البلاد إلى مرحلة الشلل التشريعي، لا سيما في القضايا المتعلقة بإصلاح القضاء واستقلاله، وهي ملفات حساسة كانت وراء تجميد مليارات اليوروهات من المساعدات الأوروبية لبولندا.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساسكس، أليكس سزكيربياك، إن “فوز مرشح اليمين الرئاسي أدى إلى تغيير جذري في توازن القوى داخل بولندا، وأحبط محاولة توسك لإعادة ضبط البلاد على نهج ديمقراطي واضح”.
مواجهة محتملة بين جناحين سياسيين
ناوروكي، الذي يُنظر إليه كامتداد سياسي للرئيس المنتهية ولايته أندريه دودا، تعهد باتباع نهج أكثر حزمًا وتحديًا للحكومة، بما في ذلك استخدام صلاحياته التشريعية والنقضية، واستثمار منصبه في تقويض شرعية حكومة توسك.
وقد وصف ناوروكي رئيس الوزراء توسك بأنه “أسوأ رئيس حكومة منذ سقوط الشيوعية عام 1989″، وهدد باستخدام الفيتو ضد “أي قانون يهدد الهوية الوطنية لبولندا أو يُضعف سيادتها”، في إشارة إلى المواقف الليبرالية بشأن الهجرة، وحقوق المثليين، وتعديل قوانين الإجهاض.
من جانبه، قال توسك في تصريحات نارية: “لن أسمح للسيد ناوروكي بتخريب حكومتي من موقع الرئاسة. أعرف جيدًا حدود صلاحياته وفقًا للدستور”.
ملفات اشتعال: القضاء، المال، والهوية
ومن بين أبرز الملفات الخلافية:
إصلاح القضاء: توسك يحاول عكس إصلاحات حزب القانون والعدالة، التي أثارت غضب الاتحاد الأوروبي، ودفعت بروكسل إلى حجب أموال الإعمار عن وارسو. إلا أن ناوروكي يُتوقع أن يعرقل هذا التوجه، كما فعل سلفه.
السياسات المالية: تعهد ناوروكي بطرح حزمة تخفيضات ضريبية شعبوية، تشمل إعفاء الأسر ذات الأطفال من الضرائب، وخفض ضريبة القيمة المضافة، وهي مقترحات ترى الحكومة أنها غير واقعية وتمثل تهديدًا للميزانية. وقال توسك: “هذه وعود فارغة ستُكلفنا عشرات المليارات”.
العلاقة مع الاتحاد الأوروبي: ناوروكي يتبنى موقفًا متشككًا من الاتحاد الأوروبي، بعكس توسك المعروف بدعمه القوي لبروكسل، وقد صرح ناوروكي أنه سيرفض أي قوانين “تمليها سلطات خارج الجمهورية البولندية”.
نقطة اتفاق نادرة: الجيش والدفاع
رغم هذا الانقسام السياسي، يرى محللون أن هناك أرضية مشتركة واحدة محتملة بين الرئيس ورئيس الوزراء، وهي تعزيز الجيش البولندي في مواجهة التهديد الروسي.
وقال أستاذ السياسة بن ستانلي من جامعة إس. دبليو. بي. إس في وارسو: “في ظل الإجماع على اعتبار روسيا العدو الأكبر، قد تكون هناك إمكانية لتعاون محدود في ملفات الدفاع”.
تحذيرات من أوروبا… وترقّب داخلي
وقد أعربت أنا كاتارينا مينديز، نائبة رئيس الاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، عن قلقها من أن هذا الجمود قد يُعرقل التقدم الضروري في ملف سيادة القانون، وقالت: “من الضروري أن تواصل المؤسسات البولندية دفع الإصلاحات نحو فصل حقيقي للسلطات”.
وحتى الآن، تبدو البلاد متجهة إلى عامين من التجاذبات السياسية الحادة قبل الانتخابات العامة المقبلة في 2027، في وقت تحذّر فيه أوساط اقتصادية أوروبية من أن أي تعطيل في الإصلاحات قد يُعيد أزمة الثقة مع الاتحاد الأوروبي، ويضر بالاقتصاد البولندي.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29514