أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديدًا جديدًا للدول التي تفرض ما يعتبره قوانين رقمية تمييزية ضد الشركات الأميركية، متوعدًا بفرض رسوم جمركية كبيرة ووقف تصدير الرقائق والتكنولوجيا المتقدمة إليها.
وتأتي تصريحاته في وقت تتصاعد فيه التوترات بين واشنطن وبروكسل بشأن قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي (DSA)، الذي يُنظر إليه في الولايات المتحدة باعتباره محاولة أوروبية للحد من نفوذ شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة.
وكتب ترامب في منشور على منصته “تروث سوشيال”: “أخطرت جميع البلدان التي لديها ضرائب أو تشريعات أو قواعد أو لوائح رقمية، بأنه ما لم تتم إزالة هذه الإجراءات التمييزية، فسوف أفرض رسومًا جمركية إضافية كبيرة على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وسأضع قيودًا على تصدير تقنياتنا ورقائقنا المحمية للغاية”.
ويعكس هذا التهديد تصعيدًا جديدًا في المواجهة بين إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي، الذي يصر على أن تشريعاته تهدف إلى حماية المستخدمين الأوروبيين من المخاطر الرقمية مثل التضليل وخطر المحتوى الضار على القاصرين.
استهداف قانون الخدمات الرقمية الأوروبي
شنّ ترامب وعدد من الجمهوريين هجمات متكررة على قانون الخدمات الرقمية (DSA)، وهو الإطار القانوني الجديد للاتحاد الأوروبي الذي يُلزم المنصات الكبرى – مثل فيسبوك وإنستغرام (ميتا) وتيك توك وإكس – باتباع إجراءات صارمة لتقييم المخاطر والحد منها.
وتتضمن هذه الإجراءات مكافحة المعلومات المضللة، وحماية القاصرين من المحتوى الضار، وضمان الشفافية في الإعلانات والخوارزميات. ويُطبق القانون على المنصات التي يزيد عدد مستخدميها عن 45 مليون شخص داخل الاتحاد الأوروبي.
لكن ترامب وأنصاره يرون أن هذه القواعد تكرس نظامًا من الرقابة يقيّد حرية التعبير ويضع الشركات الأميركية العملاقة في موقف ضعيف أمام منافسين محليين أوروبيين.
ووصف نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس القانون بأنه “أورويلي” الطابع، في إشارة إلى رواية جورج أورويل الشهيرة 1984 عن المراقبة الشاملة.
تهديدات بالعقوبات ضد مسؤولين أوروبيين
ذكرت وكالة رويترز، نقلًا عن مصادر لم تسمها، أن واشنطن تدرس فرض عقوبات شخصية على بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي المرتبطين بتطبيق القوانين الرقمية، قد تشمل قيودًا على منح التأشيرات.
ورغم أن وزارة الخارجية الأميركية رفضت التعليق رسميًا، فقد قال متحدث باسمها: “نحن نراقب بقلق متزايد الرقابة في أوروبا، وليس لدينا المزيد من التفاصيل في الوقت الحالي”.
هذا التصعيد، إن تحقق، قد يُدخل العلاقات عبر الأطلسي في مرحلة من التوتر غير المسبوق منذ الخلافات حول الضرائب الرقمية قبل سنوات.
“الرقابة” محور السجال
يرى البيت الأبيض أن قانون الخدمات الرقمية سيفرض تكاليف باهظة على الشركات الأميركية العاملة في السوق الأوروبية، في حين تصر بروكسل على أن الهدف هو تنظيم الفضاء الرقمي بما يخدم المواطنين الأوروبيين.
وزارة الخارجية الأميركية قادت حملة ضد القانون، حيث أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو في مايو/أيار الماضي فرض قيود تأشيرات على من سماهم “الأجانب الذين يفرضون رقابة على الأميركيين”.
من جانبه، قال ترامب إن أي دولة “تستخدم القواعد الرقمية للتضييق على شركاتنا أو فرض ضرائب جائرة ستواجه ردًا اقتصاديًا قويًا”، مضيفًا أن الرقائق الأميركية والتقنيات المتقدمة “ليست للبيع للجميع”.
أوروبا تتمسك بالقانون
المفوضية الأوروبية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن تنفيذ اللائحة على المنصات الرقمية “الكبيرة جدًا”، بينما تشرف الهيئات التنظيمية الوطنية على بقية المنصات في دولها.
حتى الآن، لم تُظهر بروكسل أي مؤشرات على التراجع، مؤكدة أن القانون غير موجه ضد دولة بعينها وإنما ينطبق على أي شركة تعمل في السوق الأوروبية.
لكن خبراء يشيرون إلى أن الشركات الأميركية العملاقة هي الأكثر تضررًا بحكم هيمنتها على المشهد الرقمي، ما يفسر حدة رد الفعل من جانب إدارة ترامب.
وتثير تصريحات ترامب احتمال اندلاع نزاع تجاري واسع النطاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد يتجاوز القضايا الرقمية ليشمل ملفات أخرى مثل التجارة الزراعية والرسوم الجمركية على السلع الصناعية.
ويحذر محللون من أن فرض رسوم كبيرة على صادرات أوروبية إلى السوق الأميركية – وهي ثاني أكبر وجهة للصادرات الأوروبية بعد الصين – قد يؤدي إلى رد انتقامي من بروكسل، وربما إعادة أجواء الحرب التجارية التي شهدتها العلاقات عبر الأطلسي خلال ولاية ترامب الأولى.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29590