تصاعد التحذيرات من تآكل سيادة القانون في بلغاريا

أطلق اعتقال عمدة مدينة فارنا البلغارية، بلاغومير كوتسيف، تحذيرات متجددة داخلية ودولية بشأن تآكل سيادة القانون في بلغاريا، مناشدا الاتحاد الأوروبي لممارسة مزيد من الضغط على صوفيا لوقف ما وصفه بـ«الانزلاق نحو الاستبداد».

وقد احتُجز كوتسيف في 8 يوليو/تموز بتهم فساد تشمل المشاركة في جماعة إجرامية وطلب رشى من متعاقدين مع البلدية — تهم ينفيها هو وحزبه الليبرالي المعارض الذي يقود حملة ضد نفوذ المافيا في العقود العامة.

ومنذ ذلك الحين، تحولت القضية إلى قضية رأي عام: شوارع فارنا شهدت تظاهرات متكررة، وموجة احتجاجات امتدت إلى مدن أخرى في البلاد، فيما اعتبر أنصاره توقيفه قرارًا ذا دوافع سياسية.

من داخل محبسه ومحادثات قصيرة مع وسائل إعلام غربية، دعا كوتسيف بروكسل إلى «مزيد من الضغط السياسي» على قيادة الحكومة في صوفيا، محذِّراً من أن استخدام القضاء كسلاح ضد خصوم سياسيين يقود البلاد إلى نموذج استبدادي يشبه أمثلة دول أخرى في المنطقة.

وأضاف أنه تلقى تهديدات قبل اعتقاله، وأن الحملة ضده بدأت بعد أن نجحت قوته السياسية في الفوز بالمجالس المحلية في مدن كبرى مثل فارنا.

ردود الفعل في الاتحاد الأوروبي كانت سريعة: نواب من مجموعة الليبراليين والميول «رينيو يوروب» طالبوا بمراجعة خفض أو تعليق تمويلات من برامج الاتحاد التي تستهدف بلغاريا، معتبرين أن اعتقال عمدة كبير بهذه الطريقة يكشف عن «انحراف مؤسسي» يستوجب تحركًا ملموسًا.

كما أصدرت مجموعات أوروبية بيانات تضامن دعت إلى ضمان محاكمات شفافة ومستقلة.

على الأرض تبدو الصورة أكثر تعقيدًا: الحكومة الحالية تنفي أي تحيّز وتؤكد استقلالية القضاء، بينما يشدد رئيس الوزراء على أن أجهزة إنفاذ القانون يجب أن تُترك لتؤدي وظيفتها.

بالمقابل أكد رئيس الدولة رومن راديف ومعارضون إصلاحيون أن القضاء يعاني «مستويات منخفضة من الاستقلالية»، وأن المصالح القائمة حول العقود العامة والفساد لا تزال تهيمن على شرايين الحكم والاقتصاد. هذا ثنائي التوتر بين مؤسسات الدولة وأحزابها القديمة يجعل من قضية فارنا اختبارًا لمدى التزام بلغاريا بالمعايير الأوروبية.

لكون فارنا ميناءً استراتيجيًا على البحر الأسود، فإن تداعيات القضية لا تقتصر على الداخل البلغاري؛ فالميناء يشكل نقطة حساسة لأمن حلف شمال الأطلسي وللنفوذ الروسي في المنطقة.

لذلك يربط مراقبون بين ما يحدث في صوفيا وبين مخاوف جيوسياسية أوسع قد تؤثر على استقرار ضفتي البحر الأسود، خصوصًا مع اتساع أذرع مصالح فاعلين محليين وإقليميين تتنافس على عقود ومواقع استراتيجية.

وتتبع القضية نفسها مسارًا قضائيًا معقدًا، إذ أن محاكم الاستئناف في صوفيا أبقت مؤخرًا على قرار الحجز الاحتياطي لكوتسيف، بينما تستمر جلسات التحقيق وظهور شهادات وآثار تسجيلات استماع ومرافعات دفاع.

ويرى أنصار العمدة في الاحتجاز تكتيكًا لإقصائه سياسياً، فيما يقول المدّعون إن الأدلة كافية لمواصلة الإجراءات.

والنتيجة العملية حتى الآن هي زيادة الضغوط على بروكسل لاتخاذ موقف أكثر تحديدًا؛ سيتعين على مؤسسات الاتحاد موازنة ردة الفعل بين حماية سيادة القانون في دولة عضو وعدم التدخّل المباشر في شؤون قضائية داخلية، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر السياسية والاقتصادية لرفع أعلام التحذير أو تقييد المساعدات.

أما في صوفيا، فستبقى القضية قنبلة موقوتة يمكن أن تعيد تشكيل المشهد السياسي إذا ما استُخدمت كحجة لشدّ الخناق على معارضي الشبكة الحاكمة أو لإثارة احتجاجات شعبية واسعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.