تصاعد التوترات في بريطانيا بسبب احتجاجات ضد فنادق اللاجئين من الرجال فقط

تقف المملكة المتحدة على حافة أزمة اجتماعية متفاقمة، وسط تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد استخدام فنادق لإيواء طالبي اللجوء من الذكور العازبين. فقد باتت هذه الفنادق بؤرًا ساخنة للاحتجاجات المناهضة للهجرة في عدد من البلدات والمدن، مع تزايد التوتر بين السكان المحليين والسلطات، ومخاوف متنامية من اندلاع أعمال عنف واسعة.

أحد أبرز هذه المواقع هو فندق بريتانيا الواقع في منطقة كناري وارف شرقي لندن، حيث انتشرت الشرطة بكثافة، وأُغلقت مداخله ببوابات معدنية وسط احتشاد المحتجين، رغم أن طالبي اللجوء لم ينتقلوا إليه بعد. وقد تزامن ذلك مع تنظيم مظاهرات مضادة من قبل مناهضي العنصرية، في مشهد بات يتكرر في مواقع عديدة بأنحاء المملكة المتحدة.

خلفية الغضب الشعبي
تزايدت مشاعر الاستياء في المجتمعات المحلية بعد ورود أنباء عن نقل رجال عازبين فقط إلى الفنادق، خاصة في العطلة الصيفية، وهو ما وصفه البعض بأنه “استفزازي”. ويخشى الأهالي من تأثيرات هذه الخطوة على السلامة المجتمعية، في ظل غياب الشفافية حول خلفيات وأعمار طالبي اللجوء.

وقال لي بويز (43 عامًا)، وهو عامل بناء من سكان ستيبني قرب كناري وارف: “نحن لا نعلم من هم هؤلاء القادمون، ولا توجد أي رقابة. هناك مخاوف حقيقية من جرائم محتملة أو حتى تهديدات أمنية. نريد فقط أن نشعر بالأمان في أحيائنا”.

وذكّر بويز بأحداث العنف السابقة، مثل محاولة اقتحام فندق في روثرهام الصيف الماضي، والتي أسفرت عن حرائق واشتباكات، مشيرًا إلى أن المواطنين أصبحوا يربطون بين ارتفاع أعداد المهاجرين وتدهور الخدمات العامة ومستويات المعيشة.

من لندن إلى إيبينغ: بؤر احتجاج جديدة
في بلدة إيبينغ، تصدرت الاحتجاجات العناوين بعد توجيه تهم بالتحرش الجنسي لطالب لجوء إثيوبي يُدعى هادوش كيباتو، ما زاد من حدة الاحتقان. تركزت الانتقادات على أن جميع المقيمين في الفندق كانوا من الذكور، ما أثار القلق بين العائلات المحلية.

وفي واترلوفيل، دعمت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافيرمان مظاهرة محلية ضد تخصيص وحدات سكنية لطالبي اللجوء، مشددة على أن الحكومة تفشل في احترام مطالب المجتمعات المحلية.

وتكررت المشاهد ذاتها في نورويتش، ديس، مانشستر، بورتسموث، ليدز وساوثهامبتون، مع ظهور احتجاجات مضادة تدعو إلى احترام حقوق اللاجئين والتضامن مع المضطهدين.

شبكات واتساب وتيك توك… أدوات تعبئة جديدة
يلعب الإعلام الرقمي دورًا متزايدًا في تعبئة المتظاهرين، حيث نشطت مجموعات على واتساب لتبادل المعلومات عن أماكن تواجد طالبي اللجوء وتحركاتهم، بينما استخدمت ناشطات مثل هايدي ستافورد تطبيق تيك توك لنشر فيديوهات الاحتجاج، مؤكدة أن حراكها ليس ضد المهاجرين بوجه عام، بل ضد ما وصفته بـ”الترحيل الجماعي لرجال مجهولي الهوية”.

وقالت ستافورد: “نحن نعيش في مجتمع متعدد الثقافات منذ عقود، لكن هذه الطريقة في الاستيعاب غير شفافة ومُقلقة. نخشى على أطفالنا وعلى استقرارنا الاجتماعي”.

ردود أفعال الفنادق والسلطات المحلية
بعض الفنادق، مثل فندق بارك، رفضت استقبال الرجال العازبين وأعلنت أنها ستُغلق أبوابها في حال فرض عليها استقبالهم. فيما أكدت إدارة فندق ديس أنها تستضيف عائلات فقط، رافضة أي مزاعم عن استقبال منفردين.

أما مجلس منطقة إيبينغ فورست، فقد صوت بالإجماع على اقتراح يطالب الحكومة بإغلاق الفندق المستخدم في المدينة فورًا وبشكل دائم كمرفق لجوء.

أرقام تكشف عمق الأزمة
وفقًا لإحصاءات رسمية، تراجع عدد طالبي اللجوء المقيمين في الفنادق من أكثر من 50 ألفًا عام 2023 إلى نحو 32,345 في مارس 2025. لكن العدد عاد ليرتفع إلى 29,585 في يونيو 2024 قبيل فوز حزب العمال بالانتخابات، في مؤشر على تصاعد الضغط على النظام.

وبحسب موقع “Fact Check”، فإن هناك حاليًا 210 فندقًا للاجئين قيد الاستخدام في بريطانيا، رغم تعهدات الحكومة بتقليص الاعتماد على الفنادق. كما بلغ عدد طالبي اللجوء في أنواع أخرى من المرافق 71,339 في مارس، مقارنة بـ 67,057 في يونيو 2024.

أزمة تتجاوز حدود الهجرة
يرى مراقبون أن الأزمة الحالية تتجاوز مجرد قضية استقبال المهاجرين، لتُعبّر عن تدهور ثقة المواطنين في الحكومة، واحتقان اجتماعي أعمق ناتج عن الغلاء، وندرة السكن، وتردي الخدمات الصحية والتعليمية.

وبينما تسعى الحكومة إلى إرضاء الرأي العام المحلي دون خرق التزاماتها الدولية، تبقى المملكة المتحدة أمام تحدٍ بالغ في إدارة تدفق اللاجئين دون إشعال فتيل أزمة اجتماعية داخلية. وكلما استمر التوتر، كلما تعاظمت المخاوف من انفجار الوضع في الشوارع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.