الاتحاد الأوروبي يعلّق إجراءاته المضادة في الحرب التجارية مع واشنطن على أمل تفادي تصعيد التعريفات الجمركية

في خطوة تعبّر عن مزيج من الحذر والرغبة في تجنب تصعيد اقتصادي كارثي، أعلن الاتحاد الأوروبي الأحد تعليق تنفيذ حزمة عقوبات تجارية كانت مقررة على صادرات أميركية، في الوقت الذي يواصل فيه التفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أمل تجنب فرض رسوم جمركية ضخمة تهدد بزعزعة العلاقات التجارية عبر الأطلسي.

 

وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في مؤتمر صحفي ببروكسل: «سنقوم بتمديد تعليق إجراءاتنا المضادة حتى أوائل أغسطس، وفي الوقت نفسه سنواصل إعداد المزيد من الإجراءات المضادة حتى نكون مستعدين دائماً». وأكدت فون دير لاين أن المفاوضات مع واشنطن مستمرة، مضيفة: «لطالما أكدنا بوضوح أننا نفضل الحل التفاوضي. وهذا ما زال قائماً».

تهديد ترامب يفاجئ العواصم الأوروبية

كانت خطط الاتحاد الأوروبي تقضي بفرض رسوم انتقامية اعتباراً من الثلاثاء المقبل على ما تصل قيمته إلى 21 مليار يورو من المنتجات الأميركية، تتنوع بين فول الصويا والدراجات النارية وعصير البرتقال، وذلك رداً على سلسلة من الإجراءات الحمائية التي أعلنها ترامب في وقت سابق. لكن إعلان الرئيس الأميركي المفاجئ يوم السبت بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 30% على واردات الاتحاد الأوروبي بدءاً من الأول من أغسطس غيّر حسابات بروكسل تماماً.

 

وقال دبلوماسيان أوروبيان لصحيفة «بوليتيكو» إن المفوضية الأوروبية سارعت إلى استدعاء موظفيها للعمل في عطلة نهاية الأسبوع لإعداد خطط طوارئ جديدة، في ظل قلق عارم من احتمال دخول أكبر شريكين تجاريين في العالم في دوامة حرب تجارية مكلفة.

 

وأكدت فون دير لاين في بيان صدر السبت أنها لا تستبعد إطلاق تدابير مضادة جديدة إذا مضت واشنطن في تنفيذ تهديداتها. وأوضحت مصادر دبلوماسية أن الإجراءات الانتقامية قيد الإعداد قد تستهدف صادرات أميركية إضافية تصل قيمتها إلى 72 مليار يورو، تشمل سلعاً استراتيجية كصادرات السيارات والطائرات.

 

ماكرون يطالب بموقف أوروبي أكثر صرامة

في باريس، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقف أوروبي أكثر صرامة إزاء واشنطن، محذراً من أن التساهل قد يجر أوروبا إلى مزيد من التنازلات التجارية. وقال ماكرون عبر حسابه الرسمي على وسائل التواصل الاجتماعي: «يقع على عاتق المفوضية، أكثر من أي وقت مضى، تأكيد عزم الاتحاد الأوروبي على الدفاع بحزم عن المصالح الأوروبية». وأضاف: «ويتطلب هذا تحديداً تسريع إعداد تدابير مضادة موثوقة، من خلال حشد جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك إجراءات مكافحة الإكراه، في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول الأول من أغسطس».

 

ومع أن قادة الاتحاد الأوروبي أبدوا رغبة واضحة في إبقاء باب الحوار مفتوحاً مع واشنطن، فإن لهجة بروكسل شهدت تشدداً ملحوظاً في الساعات الأخيرة. فخلال المؤتمر الصحفي، حذّرت فون دير لاين من أن الاتحاد الأوروبي «مستعد لجميع السيناريوهات المحتملة»، لكنها شددت أيضاً على أن أداة مكافحة الإكراه، والتي توصف أحياناً بـ«البازوكا التجارية» لأنها تسمح بفرض قيود واسعة النطاق على البنوك والشركات الأميركية، لا تزال خياراً أخيراً «صُمم لحالات استثنائية – ولم نصل إليها بعد».

 

اجتماع حاسم يوم الاثنين

من المقرر أن يعقد دبلوماسيون أوروبيون اجتماعاً في بروكسل يوم الاثنين لبحث قائمة جديدة من السلع الأميركية التي قد تخضع لرسوم انتقامية. وأوضح دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى أن التصويت الرسمي على هذه الإجراءات سيُجرى لاحقاً، مرجحاً أن يعتمد القرار على ما ستسفر عنه المفاوضات الجارية مع واشنطن في الأسابيع القليلة المقبلة.

 

وبينما تسعى بروكسل إلى تجنب التصعيد، يرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي يحاول في الوقت ذاته إظهار قوته كرادع لواشنطن. وقال مسؤول أوروبي لـ«بوليتيكو»: «نعرف أن ترامب لا يحترم سوى القوة. لا يمكننا الظهور بمظهر الضعفاء وإلا فسوف نحصل على صفقة أسوأ».

 

تداعيات اقتصادية خطيرة

تأتي هذه التطورات في وقت حساس للاقتصاد الأوروبي، الذي يواجه تباطؤاً في النمو وارتفاعاً في تكاليف الاقتراض، فيما تخشى الشركات الأوروبية من فقدان الأسواق الأميركية الحيوية إذا اندلعت حرب تجارية مفتوحة. وأظهرت بيانات حديثة أن أي تبادل للرسوم الجمركية بين الطرفين قد يهدد تجارة بمئات المليارات من اليوروهات سنوياً.

 

ومع تمديد مهلة التفاوض حتى مطلع أغسطس، تظل أعين العواصم الأوروبية وأسواق المال معلقة على مسار المحادثات بين بروكسل وواشنطن، وسط مخاوف من أن تتسبب سياسات ترامب الحمائية في زعزعة أكبر شراكة اقتصادية في العالم، وجر الاقتصاد العالمي إلى دوامة جديدة من عدم اليقين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.