أثار قرار وزارة الدفاع البريطانية بتعيين الجنرال جوين جينكينز قائداً للبحرية الملكية ورئيساً للأركان البحرية موجة من الانتقادات، بعد تقارير عن دوره في إخفاء وقائع تتعلق بجرائم حرب محتملة ارتكبتها القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان.
يأتي تعيين جينكينز وسط جدل محتدم حول سجل القوات الخاصة البريطانية خلال وجودها في أفغانستان بين 2010 و2013، وهي الفترة التي تخضع لتحقيق حكومي عام منذ عام 2022، بعد اتهامات بارتكاب “عمليات قتل خارج نطاق القانون” بحق مدنيين ومقاتلين أفغان.
رفض إعادة توطين الشهود المحتملين
بحسب تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أشرف جينكينز خلال خدمته كضابط في القوات الخاصة على رفض آلاف طلبات إعادة التوطين المقدمة من جنود أفغان سابقين قاتلوا إلى جانب بريطانيا. وتقول التقارير إن هؤلاء الجنود ربما كانوا يمتلكون معلومات حساسة تتعلق بجرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها القوات الخاصة البريطانية.
وأشارت “بي بي سي” إلى أن بعض هذه القرارات تم التراجع عنها لاحقاً بعد مراجعات حكومية، إلا أن الآلاف من المتقدمين ظلوا محرومين من حق الدخول إلى المملكة المتحدة. واعتبر مراقبون أن رفض استقبال هؤلاء الجنود يهدف إلى منعهم من تقديم شهادات قد تدين قيادات عسكرية بريطانية في التحقيقات الجارية.
تحقيقات معلقة وأدلة مخفية
في عام 2011، وخلال توليه منصباً قيادياً في القوات الخاصة، اتُهم جينكينز بالتقاعس عن إحالة أدلة تتعلق بعمليات قتل غير قانونية إلى الشرطة العسكرية. وتشير شهادات أدلى بها ضباط في إطار التحقيق العام إلى أن وحدات النخبة البريطانية تمتعت بما وصف بـ”تصريح ذهبي” للإفلات من المحاسبة على هذه الانتهاكات.
ورغم أن الأمم المتحدة تصنف القتل في سياق الصراع المسلح كجريمة حرب، لم تُفتح ملاحقات جنائية حتى الآن ضد أي من الضباط البريطانيين المشاركين في تلك العمليات. ويرى مراقبون أن منع شهود أفغان من دخول الأراضي البريطانية يقلل من فرص تحقيق العدالة ويعرقل مسار التحقيق.
وزارة الدفاع: لا مانع من تقديم الأدلة
في معرض ردها على هذه التقارير، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن بإمكان أي شخص، أينما كان في العالم، تقديم أدلة إلى التحقيق الجاري. وأضاف متحدث باسم الوزارة أن قرارات إعادة توطين المتعاونين الأفغان تُدرس “على أساس كل حالة على حدة”، مشدداً على التزام الحكومة بنقل المؤهلين وأسرهم إلى المملكة المتحدة.
ورغم هذه التصريحات، يرى منتقدون أن الواقع يختلف تماماً، حيث فُرضت قيود إدارية وسياسية حالت دون وصول الشهود المحتملين إلى بريطانيا، في ظل رغبة ضمنية في طي صفحة ممارسات القوات الخاصة في أفغانستان دون كشف كامل للوقائع.
تعيين مثير للجدل في توقيت حساس
قبل تعيينه قائداً للبحرية الملكية، شغل جينكينز منصب المستشار الاستراتيجي لوزير الدفاع جون هيلي منذ أغسطس 2024. وخلال إعلان التعيين، وصفه هيلي بأنه “قائد مخضرم يتمتع بخبرة واسعة في الجيش وفي صميم الحكومة”، متجاهلاً الجدل المثار حول ملفه في أفغانستان.
ويرى مراقبون أن قرار التعيين يأتي في توقيت حساس، إذ تحاول وزارة الدفاع تعزيز صورة القوات المسلحة وسط انتقادات متزايدة تتعلق بالشفافية والمساءلة. ويخشى البعض أن يُنظر إلى تعيين جينكينز كرسالة مفادها أن المؤسسة العسكرية ليست مستعدة لمحاسبة قياداتها العليا على انتهاكات الماضي.
ضغوط سياسية متوقعة
من المتوقع أن يتعرض التعيين لانتقادات من المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان، التي تطالب بالكشف الكامل عن دور القوات البريطانية في أفغانستان. ويعتقد دبلوماسيون ومراقبون أن هذه القضية قد تعيد فتح نقاش أوسع داخل البرلمان حول التزام بريطانيا بمبادئ القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بالمساءلة عن جرائم الحرب.
ومع تصاعد الضغوط، سيتعين على الحكومة البريطانية إقناع الرأي العام بأن تعيين جينكينز لا يتعارض مع مبادئ العدالة، ولا يمثل تعتيماً على وقائع لا تزال محل تحقيق رسمي.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29305