جهاديون أجانب ساعدوا ثوار سوريا على الاستيلاء على السلطة لكنهم الان يمثلون معضلة

يتوجب على القادة الجدد في سوريا أن يجدوا حلاً لمسألة آلاف المقاتلين الأجانب في صفوفهم، والذين يشكلون موضع خوف وشك من قبل كثيرين في البلاد يعتقدون أنهم شاركوا في موجة من عمليات القتل ذات الطابع العرقي مؤخراً.

يصل عدد هؤلاء المقاتلين إلى نحو عشرة آلاف عنصر قدموا من الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا الوسطى، وقد لعبوا دوراً حاسماً في الإطاحة بنظام الأسد وهم الآن يدعمون الحكومة الوليدة في دمشق، لكن تفسيراتهم المتشددة للإسلام السني تجعلهم عبئاً على الحكام الجدد في سوريا، الذين يسعون للنأي بأنفسهم عن ماضيهم الإسلامي المتشدد والسير نحو حكومة شاملة.

محمد زوفر، شاب أوزبكي يبلغ من العمر 20 عاماً، يجسد هذه المعضلة.

دخل زوفر سوريا عبر تركيا في أكتوبر للقتال مع كتيبة الغرباء، وهي جماعة إسلامية مكونة من مقاتلين من آسيا الوسطى وكان على خطوط القتال الأمامية خلال أسابيع في هجوم تقوده هيئة تحرير الشام.

قال إنه كان يعتمد على قادة ميدانيين أوزبك يتقنون العربية لنقل الأوامر من قادة الفصائل السورية خلال الهجوم السريع هو يأمل في الانضمام إلى الجيش السوري الجديد مع انتهاء الثورة، والمساهمة في بناء دولة على أسس الحكم الإسلامي.

وقال زوفر، بمزيج من الأوزبكية والتركية والعربية الركيكة: “جئت للجهاد وسأبقى حتى لو شهيداً”، وأضاف أنه لا يريد العودة إلى أوزبكستان خشية التعرض للاضطهاد: “آمل أن أبقى هنا وأستقر”.

ويقول زوفر إنه شارك في ما يعتبره حرباً مقدسة، لكن الحكم الإسلامي الذي يأمل في ترسيخه هو بالضبط ما يسعى كثيرون في المجتمع السوري المتنوع دينياً وعرقياً، والبالغ تعداده 24 مليون نسمة، لتجنبه.

وتسعى الولايات المتحدة، التي قدمت مطالب صارمة للحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة، للحصول على ضمانات بعدم بقاء المقاتلين الأجانب موضع ترحيب في الدولة الجديدة.

وقال تيم ليندركينغ، مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، في 24 أبريل: “على السلطات المؤقتة أن تضمن عدم مشاركة المقاتلين الإرهابيين الأجانب في الحكومة أو الجيش السوري”.

ولم يرد المتحدثون باسم الحكومة الانتقالية السورية على طلبات التعليق.

وقد عيّن الحكام الجدد مقاتلين أجانب في مناصب عسكرية رفيعة بعد السيطرة على العاصمة السورية في ديسمبر، من بينهم رجال من الأردن ومصر وتركيا.

وقال أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد وزعيم جماعة هيئة تحرير الشام المنتصرة، إن المقاتلين الأجانب الذين دعموا الثورة سيكافؤون وقد يُمنح بعضهم الجنسية.

ويقول برودريك ماكدونالد، زميل مشارك في المركز الدولي لدراسة التطرف التابع لكلية كينغز بلندن: “لديهم خبرة في القتال في بلدان مختلفة، واستخدام الأسلحة الثقيلة، وإنتاج الدعاية، ولديهم شبكات عالمية للتجنيد وجمع التمويل”.

لكن هذه الخبرة تأتي مع ثمن باهظ في نظر كثير من السوريين.

ففي مارس، أدت كمائن قاتلة استهدفت قوات الأمن إلى عمليات قتل انتقامية قال السكان إن منفذيها مقاتلون أجانب وقوى أخرى مرتبطة بالحكومة.

وقعت الهجمات في منطقة ساحلية تقطنها الطائفة العلوية، التي تنتمي إليها عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وقال سكان لصحيفة وول ستريت جورنال آنذاك إن قوافل من المسلحين هددت السكان، وأطلقت النار على الناس، وأحرقت منازلهم.

وقد شكلت الحكومة السورية لجنة للتحقيق في هذه الهجمات، وقال مسؤول في اللجنة في أبريل إن عشرات الأشخاص تم استجوابهم، وأن اللجنة تحقق في أكثر من 50 حادثة، وقد وافق الشرع في أبريل على تمديد عمل اللجنة ثلاثة أشهر إضافية.

وكان الشرع مرتبطاً سابقاً بتنظيم الدولة، ثم انضم إلى القاعدة في 2012، ثم قطع علاقاته بها أيضاً وقاتل ضد كلا التنظيمين، والآن ينأى بنفسه عن التطرف الإسلامي وقال إن حكومته ستمثل جميع المكونات العرقية والدينية في سوريا.

ويعترف السوريون المنتقدون للمقاتلين الأجانب بصعوبة التخلص منهم، فبينما قد يتجه بعضهم إلى النزاعات الدينية في أماكن أخرى مثل أفريقيا، هناك خطر أن يتحول آخرون ضد الحكومة السورية إذا تخلت عن المبادئ الإسلامية أو أجبرتهم على العودة إلى بلدان قد يتعرضون فيها للقمع.

ويقول زياد ونوس، طبيب أسنان في دمشق يبلغ من العمر 31 عاماً وشارك في تأسيس مجموعة للدعوة إلى الديمقراطية بعد سقوط نظام الأسد: “من المستحيل ترحيلهم جميعاً — هناك تحديات سياسية كبيرة”، وأضاف أنه إذا مُنح البعض الجنسية، فيجب أن يتم ذلك وفق آلية رسمية، لا بقرارات فردية.

ويقول خالد قرنفل، وهو شاب سوري يبلغ من العمر 24 عاماً وكان ضمن الحملة العسكرية الأخيرة، إنه قاتل إلى جانب مقاتلين أجانب ساعدوا في ضمان النصر، وقد أقام بعض المقاتلين في سوريا لعقد من الزمن، وتزوجوا من سوريات وأرسلوا أبناءهم إلى المدارس المحلية.

وقال قرنفل: “بعضهم فتح متاجر واستقر”، وأضاف: “وبعضهم تعلم العربية أفضل منا”.

وقال أبو مارية، وهو مقاتل من لبنان، إنه حمل السلاح ضد حزب الله هناك، ثم دخل سوريا عام 2017 للقتال ضد نظام الأسد والجماعات الداعمة له مثل حزب الله.

وقال وهو يقف أمام الجامع الأموي في دمشق، وهو نقطة تجمع للمقاتلين الإسلاميين السنة: “كنا كسنة نشعر بالتهديد تحت حكم حزب الله، وإخواننا في سوريا شعروا بالأمر نفسه تحت حكم الأسد”.

ويرى أبو مارية أن المقاتلين الأجانب يستحقون التقدير.

وقال: “بعضهم سلك طرقاً محفوفة بالمخاطر للوصول إلى سوريا، وتخلى عن حياته في الخارج وأنفق عشرات الآلاف من الدولارات ليصل إلى هنا”، وأضاف: “نأمل أن نحصل على الجنسية. لقد أصبحنا جزءاً من المجتمع السوري”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.