تتصاعد التوترات بين الأجيال في فرنسا وألمانيا حول مستقبل أنظمة التقاعد، وسط دعوات من المشرعين الشباب إلى مشاركة المتقاعدين في جهود الإصلاح لضمان استدامة هذه الأنظمة في مواجهة الضغوط الديموغرافية والمالية المتزايدة.
ويواجه أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي تحديًا مشتركًا: كيفية تمويل التكاليف الباهظة المرتبطة بتقاعد جيل طفرة المواليد، في وقت يعاني فيه معدل المواليد من انخفاض مستمر والنمو الاقتصادي من تباطؤ، بينما تتراجع القدرة الشرائية للأجيال الشابة مقارنة بسابقتها.
وتتجاوز المشكلة الأرقام، فارتفاع أسعار العقارات والضغوط الاقتصادية جعلت تحقيق الاكتفاء المالي الشخصي لشباب اليوم أصعب بكثير مقارنة بجيل آبائهم، ما زاد من شعورهم بالعبء نتيجة التزامات أنظمة التقاعد الحالية.
وفي هذا السياق، يطالب عدد من السياسيين الشباب في ألمانيا وفرنسا بمزيد من “العدالة بين الأجيال”.
في ألمانيا، يدعو النائب الشاب يوهانس وينكل (34 عامًا) إلى إصلاحات تقلل المزايا المفرطة لكبار السن، مؤكدًا أهمية خطة عادلة لجميع الأجيال.
وفي فرنسا، يذهب النائب غيوم كاسباريان (38 عامًا) إلى أبعد من ذلك، داعيًا إلى إعادة النظر في نظام الدفع الفوري للاستحقاقات، حيث يمول العمال الحاليون معاشات المتقاعدين مباشرة من خلال الضرائب.
لكن استهداف المتقاعدين ليس خطوة سهلة سياسيًا. فهم يشكلون شريحة انتخابية كبيرة، ويشاركون بانتظام في صناديق الاقتراع، وغالبًا ما يميلون إلى الوسطية.
ففي ألمانيا، حصلت كتلة المستشار فريدريش ميرز على نحو 43% من أصوات الناخبين الذين تبلغ أعمارهم 70 عامًا فأكثر، فيما ساعد الناخبون الأكبر سنًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الفوز بإعادة انتخابه عام 2022.
في فرنسا، يناقش المشرعون خطة مثيرة للجدل لتجميد تعديلات التضخم على مدفوعات المعاشات التقاعدية العام المقبل، بهدف تقليص العجز المالي.
أما في ألمانيا، فيتمحور النقاش حول حزمة إصلاحات اقترحتها حكومة ميرز، إذ يرى المحافظون الشباب أن المزايا الحالية سخية للغاية، ويطالبون بخطة أكثر عدالة توازن بين مصالح الأجيال.
وتظهر استطلاعات الرأي في كلا البلدين أن معظم المواطنين يفضلون حماية أنظمة التقاعد القائمة، بينما يعارض الأحزاب اليسارية أي إجراءات لتجميد أو خفض المزايا، معتبرة أن هذه الأنظمة عنصر أساسي للتماسك الاجتماعي.
ومع ذلك، تظهر الدراسات أن هناك دعمًا بين الشباب لخفض المزايا أو تعديل النظام لضمان استدامته، مع وجود اختلاف واضح بين جيل العاملين والمتقاعدين.
والاختلافات بين فرنسا وألمانيا واضحة أيضًا على صعيد المزايا الحالية. فالمعاشات التقاعدية في فرنسا أكثر سخاءً وتحافظ على معدل فقر منخفض بين كبار السن مقارنة بعموم السكان، بينما تعاني ألمانيا من نسب فقر أعلى بين المتقاعدين بعد إصلاحات سابقة خفّضت نسب المزايا، ما يزيد من الضغط على الأجيال الشابة لتحمل الأعباء المالية.
وبحسب الخبير الاقتصادي أرنو ليشيفالييه من جامعة باريس بانتيون سوربون، فإن تحقيق “عدالة كاملة” بين الأجيال أمر شبه مستحيل، نظرًا للاختلاف الكبير في التركيبة السكانية والظروف الاقتصادية لكل جيل. ويضيف أن فكرة تحقيق عائد متساوٍ لكل جيل على مساهماته في سن العمل هي “فكرة غير واقعية للغاية”.
في النهاية، يواجه صانعو السياسات في باريس وبرلين معضلة صعبة: كيفية إصلاح أنظمة التقاعد مع الحفاظ على التوازن بين حماية مصالح المتقاعدين وضمان استدامة النظام للأجيال القادمة، في ظل فجوة متنامية بين حقوق الجيل الحالي وعبء المستقبل على الشباب.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29822