رومانيا تواجه غضباً شعبياً وتهديداً مالياً مع سعيها لخفض أكبر عجز في الاتحاد الأوروبي

تتجه رومانيا إلى اختبار سياسي واجتماعي صعب، بينما تبدأ الحكومة الجديدة بقيادة الليبرالي إيلي بولوجان اتخاذ إجراءات صارمة لخفض العجز المالي الأكبر في الاتحاد الأوروبي، وسط مخاوف من اندلاع احتجاجات شعبية واسعة قد تهدد استقرار البلاد السياسي والاجتماعي.

بلغ عجز الموازنة في رومانيا العام الماضي 9.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يضع البلاد في مرمى خطر خفض تصنيفها الائتماني، وتهديد قدرتها على الاقتراض بأسعار معقولة، فضلاً عن احتمالية تعليق برامج التمويل الأوروبي، خاصة صناديق التنمية الإقليمية وأموال ما بعد الجائحة.

وقال وزير المالية السابق ورئيس المجلس المالي الروماني دانيال دايانو إن «التصحيح المالي سيكون واسع النطاق ومؤلماً للغاية، ولا مفر من الألم»، مضيفاً أن الإجراءات المقبلة تشكل «يوم حساب» لرومانيا.

تقشف غير شعبي

ومن بين الإجراءات المطروحة على الطاولة، خفض عدد موظفي الخدمة المدنية بنسبة تصل إلى 20%، أي نحو 167 ألف وظيفة، إضافة إلى زيادة ضرائب متعددة، أبرزها رفع ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع، وزيادة الضرائب على الأرباح وتوزيعات الأرباح من 10% إلى 16%. كما ستُفرض ضريبة جديدة على قطاع المقامرة، وستُعاد هيكلة رسوم الإنتاج في بعض القطاعات.

الحكومة تخطط أيضاً لرفع ضريبة القيمة المضافة على الحطب ومنتجات الطاقة الأخرى من 5% إلى 9%، كما سترتفع بعض المعدلات المخفضة إلى 19%، باستثناء الأغذية والأدوية.

وقال وزير المالية ألكسندرو نازاري للصحفيين: «علينا إقناع الرومانيين والممولين الدوليين والمفوضية الأوروبية بالتعاون معنا، لتفادي خفض التصنيف السيادي الذي قد يدخل رومانيا في وضع أكثر خطورة وإيلاماً.»

احتجاجات بدأت بالفعل

بدأت ردود الفعل تظهر سريعاً، إذ نظم موظفو الخدمة المدنية العاملون في مبنى رئاسة الوزراء مظاهرة احتجاجاً على خطط خفض المكافآت وتقليص عدد أيام الإجازات الممنوحة للعاملين في ظروف عمل خطرة. دفعت هذه الاحتجاجات الحكومة إلى تأجيل مناقشة مشروع القانون، وسط دعوات لإجراء مفاوضات مع النقابات.

ويرى محللون أن الحكومة تواجه صعوبة في تسويق خطتها التقشفية للشعب، خصوصاً أن الائتلاف الحاكم يضم ثلاثة من الأحزاب الأربعة التي أشرفت خلال السنوات الماضية على تفاقم العجز، وهي الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط)، والحزب الليبرالي (يمين الوسط)، وحزب الاتحاد المجري الجمهوري، مما يفقد الحكومة مصداقية الإصلاح في عيون كثير من المواطنين.

وقالت آنا أوتيليا نوتو، محللة السياسات العامة في مركز منتدى الخبراء في بوخارست: «يصعب جداً على الحكومة إقناع الناس بالتقشف حين يرون نفس الوجوه السياسية التي حمّلوها مسؤولية الفشل سابقاً.»

مكافحة التهرب الضريبي

وفي مواجهة العجز، يرى الخبراء أن مكافحة التهرب الضريبي قد تكون من أبرز أدوات الحكومة لتقليل الفجوة المالية. إذ أظهرت بيانات المفوضية الأوروبية لعام 2022 أن الفارق بين إيرادات ضريبة القيمة المضافة الممكنة وما تحصّله فعلياً السلطات الرومانية بلغ 8.5 مليار يورو، أي أكثر من 30% من إجمالي الإيرادات المحتملة.

قال فيكتور نيغريسكو، عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي في البرلمان الأوروبي، إن الحكومة ستكثف جهودها في هذا المجال، مشدداً على ضرورة رقمنة النظام الضريبي لملاحقة الأنشطة الاقتصادية غير المعلنة.

يعتزم الرئيس الروماني نيكوسور دان مناقشة التهرب الضريبي كتهديد للأمن القومي مع كبار مسؤولي الأمن الوطني في اجتماع مرتقب الاثنين المقبل.

أمل في تجنب خفض التصنيف

ورغم الصورة القاتمة، يرى دايانو أن هناك بصيص أمل، إذ قال: «الأرقام لا تزال تقديرية، لكن في أفضل السيناريوهات يمكن أن ينخفض عجز الموازنة إلى أقل من 8% بنهاية العام، ما قد يجنب رومانيا خفض التصنيف الائتماني.»

لكن نوتو حذرت من أن إجراءات التقشف ستكون «غير شعبية للغاية» ما لم تُخفَّض أيضاً النفقات العامة المهدرة مثل المعاشات التقاعدية الكبيرة لبعض موظفي الدولة السابقين. وأضافت: «إذا لم يشعر الناس بالعدل، فقد نشهد تصاعداً في موجة الشعبوية اليمينية المتطرفة، وقد يسقط الجميع في الانتخابات القادمة.»

وبينما تكافح حكومة بولوجان لضبط موازنتها، يبقى مصير الإصلاحات معلقاً على خيط رفيع بين ضرورات الاقتصاد وحدّة الغضب الشعبي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.