في خطوة مفاجئة أثارت غضب الشارع الأوكراني وانتقادات دولية، وقّع الرئيس فولوديمير زيلينسكي قانونًا جديدًا يُخضع أهم هيئات مكافحة الفساد في البلاد — وهي مؤسسات مستقلة تاريخيًا — لسيطرة السلطة التنفيذية. ويُعد هذا التحرك، بحسب كثيرين، ضربة قوية لاستقلالية نظام الرقابة والنزاهة في أوكرانيا، التي تسعى جاهدة لإقناع حلفائها الأوروبيين والولايات المتحدة بجدّيتها في الإصلاحات.
ما الذي تغير؟
القانون الجديد يمنح المدعي العام المعيّن من الرئيس صلاحيات واسعة على المكتب الوطني لمكافحة الفساد (NABU) والادعاء العام لمكافحة الفساد (SAP)، الجهتين المكلفتين بالتحقيق ومقاضاة قضايا الفساد الكبرى، بما في ذلك داخل أروقة السلطة نفسها.
ووفقًا لتفاصيل نُشرت قبل التوقيع، يستطيع المدعي العام الجديد:
الوصول إلى ملفات جميع القضايا المفتوحة
إصدار أوامر ملزمة للمحققين
تحويل أو إغلاق أي قضية
المكتب الوطني لمكافحة الفساد وصف هذا التحول بأنه “تحويل كامل للهيئة إلى ذراع تابعة للمدعي العام”، محذرًا من أن ذلك يقوّض استقلالية أهم أدوات مكافحة الفساد التي نشأت عقب ثورة الميدان عام 2014.
كيف برّر زيلينسكي القرار؟
في خطاب مصوّر، رفض زيلينسكي الانتقادات، معتبرًا أن القانون جزء من “تطهير البنية التحتية لمكافحة الفساد من النفوذ الروسي”، في إشارة إلى مداهمات نفذها جهاز الأمن الأوكراني قبل أيام على عدد من موظفي الهيئات الرقابية بزعم تواطؤهم مع موسكو.
وأضاف الرئيس: “لا تفسير لترك قضايا بمليارات الدولارات معلقة لسنوات. يجب التحقيق فيها بفعالية، دون تردد أو تساهل”.
لكنه لم يرد مباشرة على الاتهامات بأن القانون يفتح الباب أمام التدخل السياسي في سير التحقيقات الجنائية.
لماذا يحتج الأوكرانيون؟
في مشهد غير معتاد منذ بدء الغزو الروسي عام 2022، خرج المئات إلى شوارع كييف ومدن أوكرانية أخرى احتجاجًا على القانون، معتبرين أنه محاولة للهيمنة على المؤسسات المستقلة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ترسيخ الثقة والشفافية أكثر من أي وقت مضى.
ورفعت شعارات تندد بـ”عودة الحكم الفردي” و”الفساد المحمي بالقانون”، فيما وصف نشطاء ما يجري بأنه “تراجع خطير” عن وعود النزاهة والمساءلة التي التزم بها زيلينسكي منذ وصوله للسلطة عام 2019.
ماذا يقول الحلفاء والمراقبون؟
يأتي القرار في وقت حساس، حيث تطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أوكرانيا بمواصلة الإصلاحات المؤسسية كشرط للحصول على دعم مالي وعسكري في ظل الحرب المستمرة.
وقالت منظمة الشفافية الدولية – فرع أوكرانيا إن القرار “يهدم البنية التحتية التي بُنيت بجهد منذ 2015″، ويقوّض الاستقلال الذي يعد أحد أهم مقومات الثقة الدولية.
من جانبها، اعتبرت منظمة NABU في بيان أن المداهمات الأمنية الأخيرة ضد موظفيها ذريعة لإضعاف الهيئة من الداخل، مشيرة إلى أن “وجود خطر عملاء أجانب لا يبرر تعليق عمل مؤسسات كاملة”.
هل هناك خلل في أداء هيئات مكافحة الفساد؟
نعم، فقد أشارت مراجعة دولية مستقلة نُشرت هذا العام إلى أن أداء المكتب الوطني لمكافحة الفساد كان “فعالًا إلى حد ما” فقط، وأشارت إلى ضغوط سياسية، وضعف في آليات الرقابة، ونقص في الإمكانيات الفنية.
لكن النقاد يرون أن الحل لا يكون بإخضاع الهيئة للسلطة الرئاسية، بل بدعم استقلالها وتحسين إمكانياتها.
ما التالي؟
زيلينسكي أعلن الأربعاء أنه اجتمع برؤساء جميع هيئات إنفاذ القانون، مؤكدًا أن “الشعب يطالب بالعدالة والفاعلية”. لكنه لم يُبدِ أي نية للتراجع عن القانون، ما يشير إلى استمرار التصعيد السياسي والشعبي في الداخل، مع مراقبة متوترة من الخارج.
ويكشف قانون مكافحة الفساد الجديد في أوكرانيا مفارقة قاسية: في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حربًا وجودية مع روسيا، تواجه أيضًا معركة داخلية على طبيعة الحكم وحدود السلطة. بين خطاب مكافحة النفوذ الروسي، وحقيقة تضييق الخناق على المؤسسات المستقلة، يبدو أن الرئيس زيلينسكي يخسر بعضًا من الدعم الشعبي والدولي الذي لطالما اعتُبر من نقاط قوته.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29476