في خطوة تعكس ضغط الشارع وقلق الشركاء الأوروبيين، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلغاء مشروع قانون مثير للجدل كان من شأنه تقويض استقلال هيئات مكافحة الفساد، مؤكداً أن القرار جاء استجابة مباشرة لموجة احتجاجات واسعة اجتاحت البلاد خلال الأيام الأخيرة.
وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة كييف:
“من المهم جداً أن نتفاعل مع صوت الناس. يجب الحفاظ على وحدة الدولة، والاستماع إلى المواطنين، والانخراط في حوار حقيقي معهم. لقد طالبوا بالتغيير، واستجبنا.”
احتجاجات عارمة… وقلق دولي
الاحتجاجات، التي انطلقت في عدة مدن أوكرانية بينها كييف ولفيف وخاركيف، جاءت كرد فعل على تصويت البرلمان لصالح قانون يضعف استقلال المكتب الوطني لمكافحة الفساد (NABU) ومكتب المدعي الخاص (SAP)، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً، وقلقاً في دوائر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
قال المتظاهرون إنهم لن يتراجعوا حتى يتم تصحيح “الخطأ التشريعي”، معتبرين أن البرلمان انحرف عن المبادئ الأساسية للحوكمة الرشيدة التي تسعى أوكرانيا لترسيخها ضمن مسار انضمامها للاتحاد الأوروبي.
وتزامنت هذه التحركات مع تحذيرات من شركاء غربيين بشأن مصداقية الحكومة الأوكرانية في جهود الإصلاح ومكافحة الفساد، ما دفع زيلينسكي للتحرك سريعًا لتقديم مشروع قانون جديد “يؤكد استقلال هذه الهيئات ويستجيب لمطالب المواطنين”، بحسب وصفه.
مشروع قانون بديل… مع رقابة أمنية مشددة
الرئيس الأوكراني كشف عن مشروع قانون جديد قُدم رسميًا للبرلمان يوم الخميس، ويعيد – بحسب قوله – الاستقلال الكامل لـ NABU وSAP، وينص على ضمانات قانونية ضد تدخل المدعي العام المعين سياسيًا.
كما يتضمن القانون المقترح إجراءات إضافية لضمان الأمن القومي، أبرزها إخضاع موظفي هيئات مكافحة الفساد لاختبارات كشف الكذب، خصوصًا من لديهم أقارب في روسيا أو علاقات محتملة مع مواطنين روس، في سياق جهود منع “التسلل الروسي إلى مؤسسات الدولة”.
وأكد المكتب الوطني لمكافحة الفساد أن اختبارات كشف الكذب موجودة فعليًا كإجراء داخلي، لكن القانون الجديد سيضفي عليها طابعًا إلزاميًا موسّعًا.
خشية من استغلال روسي
وفي ظل استمرار الحرب مع روسيا، عبّر زيلينسكي عن خشية حقيقية من أن تستغل موسكو هذه التظاهرات لتقويض استقرار البلاد من الداخل، قائلاً:
“التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم هو الحرب. الحفاظ على وحدة الدولة أمر أساسي. إذا استغل العدو انقساماتنا، نخسر المعركة من الداخل قبل أن نخسرها في الميدان.”
ورغم ذلك، شدد الرئيس الأوكراني على ضرورة تلبية مطالب الشارع:
“على هيئات مكافحة الفساد أن تعمل باستقلالية، وأن تُظهر نزاهة حقيقية، وأن تستجيب لتوقعات المواطنين بالعدالة والشفافية.”
البرلمان يعيد النظر
من المتوقع أن يعقد البرلمان الأوكراني جلسة طارئة يوم 31 يوليو/تموز للتصويت على مشروع القانون الجديد. ويأتي هذا بعد أن اعترف عدد من النواب، بمن فيهم معارضون، بأن عملية التصويت السابقة افتقرت للتنسيق والتقييم السليم.
وقالت تاميلا تاشيفا، النائبة عن حزب “هولوس” المعارض:
“نعم، صوتتُ لصالح القانون السابق. كان قرارًا صعبًا اتخذناه تحت ضغط الوقت ومعلومات محدودة. لكن من الواضح الآن أن النسخة التي طُرحت أثارت قلقًا واسعًا داخل المجتمع ومع الشركاء الدوليين. وهذه إشارة لا يمكن تجاهلها.”
وأكدت أن نوابًا من مختلف الكتل بدأوا في مراجعة مواقفهم استعدادًا للتصويت الجديد، في ظل إدراك متزايد بأن الثقة الشعبية والدولية على المحك.
اختبار للنظام السياسي في زمن الحرب
يعكس هذا التراجع من جانب الرئيس زيلينسكي والبرلمان نضجًا نسبيًا في التعامل مع الرأي العام، وسط تحديات الحرب والمخاطر الأمنية. لكنه في الوقت نفسه يكشف هشاشة التنسيق المؤسسي داخل الدولة الأوكرانية، والتوتر بين متطلبات الإصلاح وضغوط المعركة الوجودية مع روسيا.
وفيما يستعد الشارع لمواصلة الضغط، تترقب أوروبا عن كثب تطورات هذا الملف، خصوصًا وأن الشفافية والنزاهة القضائية تعتبران شرطًا رئيسيًا لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29482