أثار اقتراح المفوضية الأوروبية الجديد بشأن هيكل الميزانية المستقبلية للاتحاد الأوروبي موجة من الانتقادات الحادة من قبل منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن البيئة، بعدما تبين أن الخطة المقترحة تهدد بتقليص التمويل المخصص لحماية التنوع البيولوجي، ما اعتبره ناشطون “ضربة مدمرة للطبيعة الأوروبية”.
وفي إطار خطة الميزانية متعددة السنوات، التي تبلغ قيمتها 1.816 تريليون يورو، تقترح المفوضية دمج عدة برامج تمويل حالية في صندوق واحد جديد يُعرف باسم “صندوق التنافسية”، بقيمة 409 مليارات يورو، لتسهيل تحقيق الأهداف البيئية والصناعية بشكل متوازٍ. غير أن الناشطين يخشون من أن يبتلع هذا الهيكل الجديد التمويل البيئي ويحوّله إلى دعم ضمني للمشاريع الصناعية الخضراء ظاهريًا، لكن ذات أثر بيئي محدود.
تمويل بلا تخصيص للتنوع البيولوجي
بحسب الوثائق الرسمية الصادرة عن المفوضية، لن يكون هناك أي بند تمويلي مخصص صراحة لأهداف التنوع البيولوجي، بل سيتعين على برامج حماية الطبيعة التنافس مع أولويات أخرى مثل التغير المناخي، والاقتصاد الدائري، وأمن المياه، والتلوث.
إستر أسين، مديرة مكتب السياسات في الصندوق العالمي للطبيعة – WWF أوروبا، حذّرت قائلة: “هناك خطر حقيقي في أن يتم تهميش الطبيعة لصالح الأولويات الصناعية، التي يمكن تسويقها على أنها خضراء رغم أن تأثيرها البيئي غير مضمون”.
فجوة تمويلية قائمة… وتوسّع في المخاطر
وفقًا لتقديرات المفوضية نفسها، يواجه الاتحاد الأوروبي فجوة تمويلية سنوية في مجال التنوع البيولوجي تبلغ نحو 37 مليار يورو. وفي حين أن البرنامج البيئي الأوروبي الحالي (LIFE)، المخصص لهذا الغرض، تبلغ ميزانيته 5.45 مليار يورو، فإن دمجه مع برامج رقمية وعسكرية ضمن “صندوق التنافسية” يُعد خطوة تقوّض فعالية هذا التمويل المتخصص.
وفي الإطار الجديد، يتم إلغاء الهدف السابق الذي نص على تخصيص 10% من الإنفاق السنوي للتنوع البيولوجي بحلول عام 2026، دون تحديد بديل واضح، ما يعني أن التقدم في هذا المجال قد يتراجع بشكل كبير.
المفوضية: التمويل الكلي سيتضاعف
رغم الانتقادات، أكدت المفوضة الأوروبية للبيئة جيسيكا روسوال أن الميزانية الجديدة تعكس “نهجًا شاملاً” أكثر فاعلية، مشيرة إلى أن 35% من إجمالي ميزانية الاتحاد، أي ما يقرب من 700 مليار يورو، ستُخصّص للأهداف الخضراء في إطار “الصفقة الخضراء الأوروبية”.
وقالت روسوال “لدينا العديد من التشريعات البيئية الجيدة، ولكننا بحاجة إلى نتائج ملموسة. هذه الميزانية تسعى لتحقيق ذلك”.
كما أعلنت المفوضية أن 43% من صندوق التنافسية سيُوجَّه مباشرة إلى أهداف مناخية وبيئية.
اعتراضات منظمات البيئة
لكن النشطاء يرفضون هذا النهج، معتبرين أنه غامض ويسهل التلاعب به، في غياب “آليات تتبع شفافة” تضمن أن الأموال تصل فعلًا إلى برامج حماية الطبيعة.
أنوك بويمارتن من منظمة بيردلايف يوروب وصفت الخطوة بأنها: “ضربة مدمرة لطبيعة أوروبا ومواطنيها”، مشيرة إلى أن “عدم وجود تخصيص مالي واضح يعني أن التنوع البيولوجي يفقد مكانه في أولويات الاتحاد الأوروبي”.
قضية “أفقية” بلا التزام صريح
الخطة الجديدة تدعو إلى النظر في حماية البيئة كقضية “أفقية”، أي يجب دمجها في جميع نواحي عمل الاتحاد، بدلاً من اعتبارها أولوية تمويل مستقلة. ويتضمن الإطار الجديد مبدأ “عدم التسبب في ضرر كبير”، وهو مبدأ يُفترض أن يحول دون تمويل مشاريع تؤثر سلبًا على البيئة.
لكن كورنيليوس مولر، من تحالف المصارف المستدامة، أكد أن: “الاندماج غير كافٍ. يجب أن تكون هناك أرقام وأهداف واضحة تضمن عدم تهميش الاستدامة لصالح تنافسية السوق”.
وتشعر دول مثل إسبانيا والبرتغال، التي تعاني من شحّ المياه والتصحر، بقلق خاص بسبب غياب تمويل مخصص لتعزيز مرونة المياه وإدارة المخاطر المرتبطة بها، رغم أنها من أولويات الاتحاد للسنوات القادمة.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29469