بدأت ألمانيا بناء أول قاعدة عسكرية خارجية لها في ليتوانيا، وهي القاعدة العسكرية الأولى لألمانيا في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية ضمن تحول عسكري استراتيجي.
وجاء بناء القاعدة في إطار الاتفاق الألماني الليتواني في ديسمبر 2023 الذي يقضي بنشر 4800 عسكري و200 موظف مدني ألماني.
وستصبح القاعدة الألمانية أكبر منشأة عسكرية في تاريخ ليتوانيا، وفقًا لوزارة الدفاع في فيلنيوس، وذلك بتكلفة تصل إلى مليار يور ما يعادل 1.1 مليار دولار أمريكي.
وتتمثل الخطة في وضع اللواء في الخدمة العام المقبل والوصول إلى القدرة التشغيلية الكاملة بحلول عام 2027، وفقًا للجيش الألماني. بالإضافة إلى الأفراد، ستضم القاعدة 2000 مركبة، بحسب البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع الألمانية.
تقع القاعدة العسكرية الألمانية في الممر الصغير الرابط بين ليتوانيا وبولندا، والمعروف باسم فجوة “سوالكي”، والتي يُنظر لها على نطاق واسع كأضعف نقطة في حلف شمال الأطلسي؛ حيث تقع بين منطقة كالينينجراد الروسية من الشمال الغربي وبيلاروسيا من الجنوب الشرقي.
وتمتد فجوة سوالكي لمسافة 60 كيلومترًا تقريبًا تمثل أهمية استراتيجية من حيث إنها نقطة حاسمة ووحيدة لإمدادات الناتو العسكرية البرية لدول البلطيق الثلاث: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا، والتي قد تأتي من بولندا.
أي إن روسيا وبلاروسيا سيكون بمقدورهما فصل دول البلطيق بريا عن باقي دول الناتو حال شن هجوم على فجوة سوالكي، خاصة في ظل المخاوف إزاء تزايد نقل مجموعات من قوات فاغنر إلى بيلاروسيا.
وقالت منصة أسباب إن قرار ألمانيا بإنشاء قاعدة في ليتوانيا يأتي ضمن جهد أوروبي أوسع لملء الفراغ الأمني الناتج عن أي انسحاب أمريكي محتمل في حال عودة ترامب للبيت الأبيض، بعد أن شرع سابقا في سحب ما يقرب من 11.9 ألف جندي أمريكي من ألمانيا.
كما يؤكد القرار استعداد ألمانيا المتزايد لتولي دور عسكري أكثر استباقية داخل حلف شمال الأطلسي، خاصة وأنه يأتي عقب إعلان برلين عن استراتيجية الأمن القومي التي ركزت على تحسين قدرات ألمانيا العسكرية وزيادة الإنفاق الدفاعي، بما يمكنها من الدفاع عن نفسها.
وهي خطوات تعكس واحدة من أهم تداعيات حرب أوكرانيا، والتي تتمثل في تغير متصاعد في العقيدة العسكرية الألمانية نحو تقليل الاعتماد على أمريكا في الدفاع، مما يجعلها أكثر استقلالية دفاعيا عن ذي قبل.
وتأتي تلك الخطوة أيضا ضمن خطة استراتيجية لحلف الناتو استجابة للمخاوف الأمنية المتزايدة في أوروبا الشرقية تجاه أنشطة روسيا العسكرية. حيث تقود الولايات المتحدة الدعم العسكري لبولندا، بينما تتولى بريطانيا قيادة الدعم في إستونيا، فيما تقود كندا الدعم في لاتفيا، بينما تتولى ألمانيا قيادة الدعم لليتوانيا.
ستعمل القاعدة الجديدة على تسهيل نشر المعدات الثقيلة، مثل دبابات ليوبارد، وتعزيز قدرة ألمانيا على الاستجابة السريعة للتهديدات في المنطقة. إذ طلبت الحكومة الألمانية 2.93 مليار يورو من البرلمان لشراء 105 دبابة ليوبارد لتجهيز القاعدة الليتوانية.
ويتماشى إنشاء القاعدة مع تعزيز العقيدة العسكرية الألمانية بالتركيز على الاستجابة السريعة وقدرات الردع، مما يضفي المزيد من المصداقية على ألمانيا كشريك دفاعي في أوروبا. وقد شبه وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس هذه الخطوة بنشر قوات الحلفاء في ألمانيا الغربية أثناء الحرب الباردة.
وليس من المستبعد ألا تكون تلك القاعدة هي خطة ألمانيـا الوحيدة للتواجد العسكري خارج حدودها، بل قد تعلن عن قواعد أخرى في المستقبل، وخاصة أعضاء في دول حلف الناتو في شرق أوروبا.
وفي كل الأحوال، من المرجح أن تواصل ألمانيا سياستها التوسعية في الإنفاق العسكري، والتوجه نحو مزيد من الاستقلال الدفاعي، مع تعزيز التعاون مع حلف الناتو لتعزيز منظومة الردع الأوروبية ضد التهديد الروسي.
في المقابل، يتوقع أن تعمل روسيا وبلاروسيا على نشر قوات وأسلحة استراتيجية كرد فعل على بناء القاعدة الألمانية. حيث حذرت روسيا من أن نشر القوات الألمانية في ليتوانيا سيؤدي إلى “إجراءات انتقامية”، واعتبرت القاعدة جزءا من “السياسة العدوانية” لحلف شمال الأطلسي.
فيما هدد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بنشر أسلحة نووية روسية في بيلاروسيا ردًا على القاعدة الألمانية وأنشطة الناتو الأخرى بالقرب من حدودها.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=28565