مع اقتراب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من نهاية ولايته، يبدو أن طموحاته الأوروبية الكبيرة تواجه ضغوطًا داخلية وعجزًا متزايدًا عن تحويل رؤاه إلى واقع ملموس.
فبعد أن كان يُنظر إليه في بداية ولايته كرجل صاحب أفكار وإرادة لإصلاح أوروبا وتعزيز نفوذها الاستراتيجي، فقدت مقترحاته ومبادراته زخماً كبيراً نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل فرنسا.
خلال الاجتماعات الأخيرة للمجلس الأوروبي في بروكسل، بات واضحًا أن الزعماء الأوروبيين لم يعودوا يعتمدون على ماكرون كمصدر للأفكار المبتكرة.
ووفقًا لدبلوماسيين ومسؤولين أوروبيين، فإن المشاكل الداخلية التي واجهها الرئيس الوسطي البالغ من العمر 47 عامًا، بما في ذلك التظاهرات والاضطرابات الاجتماعية والضغوط السياسية، جعلت منه أكثر حذرًا وأكثر انشغالًا بالمحافظة على إرثه الشخصي بدلًا من دفع الاتحاد الأوروبي قدمًا.
ولم تعد مبادرات ماكرون الكبرى، مثل “الاستقلال الاستراتيجي” لأوروبا، وحماية السماء الأوروبية من الطائرات الروسية بدون طيار، وتحسين آليات انضمام الدول الجديدة للاتحاد، تجد الاستقبال الحماسي نفسه في بروكسل.
فقد أصبح الرئيس الفرنسي حذرًا، يتجنب أي اقتراح قد يثير ردود فعل سلبية في الداخل، ويركز بدلاً من ذلك على قضايا محلية مثل فرض ضوابط أكثر صرامة على الهجرة، وتقليص البيروقراطية، ووضع قواعد جديدة للأطفال على منصات التواصل الاجتماعي، وإعفاء بعض شركات السيارات من الالتزام بالأهداف البيئية الصارمة.
وعلى الرغم من هذا التراجع، لا يمكن إنكار أثر ماكرون على السياسة الأوروبية خلال العقد الماضي. فقد دعا في خطابه بجامعة السوربون عام 2017 إلى تعزيز قوة أوروبا واستقلالها الاستراتيجي، وسعى لتنويع اقتصادات القارة وتقوية قدراتها الدفاعية في مواجهة التحديات الروسية، وانكفاء الولايات المتحدة عن الالتزامات التقليدية لحلفائها الأوروبيين.
كما كان مؤيدًا لضم أعضاء جدد إلى الاتحاد الأوروبي لتعزيز الوزن الاقتصادي والجيوسياسي للكتلة، لكنه واجه صعوبات في ترجمة هذه الرؤية إلى سياسات عملية بسبب القيود الداخلية وضغوط اليمين المتطرف.
وتراجع نفوذ ماكرون في بروكسل لا يقتصر على نقص المبادرات، بل يمتد إلى الفوضى الحكومية في باريس. فقد شهدت فرنسا تغيير خمسة رؤساء وزراء في أقل من عامين، ما أضعف قدرة الحكومة على صياغة أوراق سياسية قوية قبل الاجتماعات الأوروبية.
وانعكست هذه الاضطرابات الداخلية سلبًا على قدرة ماكرون على التأثير في جدول أعمال الاتحاد الأوروبي ومناقشة القضايا الاستراتيجية بحرية وفعالية.
وحتى الحلفاء المقربون من الرئيس الفرنسي لاحظوا التناقض بين طموحاته الكبيرة وبين رأس المال السياسي المتاح له لدعم هذه الطموحات.
فعلى سبيل المثال، قرارات فرنسا الأخيرة بمعارضة بعض إجراءات تبسيط الانضمام إلى الاتحاد، والتي كانت تتعارض مع وعوده السابقة، أثارت حيرة وحفيظة شركائه الأوروبيين، وأظهرت محدودية نفوذه في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.
ومع اقتراب نهاية ولايته في عام 2027، يظل ماكرون قادرًا على رسم بعض الخطط الكبرى، لكنه يواجه واقعًا صارمًا: إرثه السياسي الأوروبي قد تضاءل، ونفوذه في بروكسل لم يعد كما كان. لا تزال مبادراته وحلوله الكبيرة حاضرة في الذاكرة الأوروبية، لكنها غالبًا ما تُناقش باعتبارها “إرثًا” أكثر من كونها مشاريع عملية قابلة للتنفيذ في الوقت الراهن.
في النهاية، يعكس الوضع الراهن تحوّل ماكرون من زعيم صاحب رؤية طموحة إلى رئيس متحفظ، محاصر بالتحديات الداخلية، ومحكوم بواقعية السياسة الفرنسية، ما يشير إلى غروب شمس تأثيره كقوة دافعة للأفكار الأوروبية الكبرى على الساحة القارية والدولية.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29727