تتجه فرنسا نحو أسبوع سياسي واجتماعي عاصف مع اقتراب التصويت البرلماني على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في 8 سبتمبر/أيلول، وما يرافقه من دعوات متصاعدة لـ”إغلاق وطني” في العاشر من الشهر ذاته، في مشهد يعيد إلى الأذهان احتجاجات السترات الصفراء التي هزّت البلاد قبل سنوات.
ويواجه بايرو ــ الذي تولى رئاسة الحكومة قبل أقل من عام ــ خطر فقدان منصبه بسبب خططه المثيرة للجدل لخفض 43.8 مليار يورو من ميزانية 2026 وإلغاء عطلتين رسميتين دون تعويضات في الأجور.
هذه الإجراءات وُصفت بأنها غير شعبية وتفتقر للتوافق السياسي، الأمر الذي دفعه إلى الدعوة لجلسة استثنائية للتصويت على الثقة في البرلمان.
مع أن حكومة بايرو تُعتبر حكومة أقلية، فإن فرصها في النجاة تبدو ضعيفة للغاية. وإذا سقطت بالفعل، فسيكون بايرو ثاني رئيس وزراء يخسره الرئيس إيمانويل ماكرون خلال أقل من عام، ما يعكس حالة هشاشة سياسية غير مسبوقة في عهد ماكرون.
حركة غامضة بلا قيادة
بالتوازي مع الأزمة الحكومية، تشهد فرنسا تعبئة جماهيرية غير تقليدية. فقد دعت حسابات مجهولة عبر الإنترنت إلى “إغلاق البلاد” في 10 سبتمبر، وهو تحرك لقي دعمًا سريعًا من شرائح مختلفة من المجتمع الفرنسي، من اليسار الراديكالي إلى اليمين المتطرف.
وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة تولونا هاريس التفاعلية لصالح RTL الأسبوع الماضي، أيد ثلثا المستطلعين فكرة الإغلاق، في مؤشر على عمق السخط الشعبي.
يشبّه مراقبون هذه الدعوة الغامضة بانتفاضة السترات الصفراء 2018-2019، التي انطلقت بدعوات بسيطة عبر فيسبوك قبل أن تتحول إلى حركة اجتماعية واسعة هزت فرنسا داخليًا وأحرجت ماكرون خارجيًا.
المعارضة تستغل الموقف
المرشح الرئاسي اليساري الشعبوي جان لوك ميلينشون كان أول السياسيين الذين احتضنوا هذه المبادرة، واعتبرها خطوة نحو “ثورة مدنية”. دعا ميلينشون النقابات العمالية لدعم الحركة وتحويلها إلى إضراب عام يشل البلاد ويزيد الضغط على ماكرون.
النقابات الكبرى لم تتأخر؛ إذ أصدرت الكونفدرالية العامة للعمال بيانًا الأربعاء دعت فيه إلى تنفيذ إضرابات أينما أمكن، ما يعزز احتمالات أن يشهد يوم 10 سبتمبر شللاً جزئيًا في قطاعات النقل والخدمات.
ماكرون بين مطرقة البرلمان وسندان الشارع
انهيار حكومة بايرو المحتمل قد يُضعف زخم حركة 10 سبتمبر، إذ قد يرى بعض المتظاهرين أن هدفهم تحقق بسقوط الحكومة. لكن في المقابل، استمرار التعبئة الشعبية رغم سقوط بايرو سيجعل الأزمة أكثر خطورة، لأنها ستتحول من رفض سياسات محددة إلى رفض ماكرون نفسه.
هنا تكمن المعضلة: فإذا خرجت حشود غاضبة رغم استقالة الحكومة، فسيُحمَّل ماكرون شخصيًا مسؤولية الأزمة، وتتعاظم الضغوط المطالبة باستقالته.
ولم تقتصر الدعوات لإقالة ماكرون على اليسار الراديكالي. بل انضم إليها بعض قادة حزب الجمهوريين المحافظ، الحليف السابق لماكرون في عدة ملفات.
ودعا الزعيم السابق للحزب جان فرانسوا كوبيه، ماكرون صراحة إلى اتخاذ “خطوة ديغولية”، في إشارة إلى استقالة الرئيس شارل ديغول عام 1969 بعد خسارته استفتاءً شعبيًا. وقال كوبيه: “على ماكرون أن يُقرّ بأن الشعب الفرنسي لم يعد يرغب فيه، وأن يتصرف كرجل دولة.”
سيناريوهات مفتوحة
فرنسا اليوم أمام سيناريوهين متناقضين:
سقوط حكومة بايرو قد يؤدي إلى تهدئة الشارع مؤقتًا، لكنه سيكشف أيضًا عن مأزق ماكرون في العثور على رئيس وزراء يحظى بقبول برلماني وشعبي في آن واحد.
استمرار التعبئة الشعبية في 10 سبتمبر رغم سقوط الحكومة سيعني أن الغضب يتجاوز سياسات بايرو ليصل إلى قلب النظام الرئاسي بزعامة ماكرون، وهو ما قد يُشعل نقاشًا حقيقيًا حول مستقبل ولايته.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29600