دخل قانون حرية الإعلام الجديد في أوروبا حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي، في محاولة لتوفير بيئة إعلامية أكثر أمانًا وشفافية. يهدف القانون إلى حماية وسائل الإعلام من التدخلات الحكومية وحماية الصحفيين من برامج التجسس، فضلاً عن معالجة تركيز وسائل الإعلام وتمكين المنافذ الإخبارية عبر الإنترنت. لكن في ظل تراجع استقلال وسائل الإعلام في بعض دول الاتحاد الأوروبي، يثار سؤال كبير: هل سيحقق القانون الفرق المطلوب أم أنه سيكون مجرد وعد على الورق؟
أهداف القانون وتحديات التنفيذ
قال مفوض الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي، مايكل ماكجراث، إن هذا القانون يعد خطوة هامة نحو ضمان بيئة إعلامية أكثر شفافية وتعددية، حيث يمكن للمواطنين أن يثقوا في الأخبار التي يتلقونها. وأضاف أن القوانين تهدف إلى حماية غرف الأخبار من التدخل الحكومي، وهي محاولة لتخفيف تأثير المصالح التجارية والسياسية التي تهيمن على بعض وسائل الإعلام.
ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن تنفيذ هذا القانون قد يواجه تحديات كبيرة، خاصة في الدول التي تشهد تراجعًا في حرية الصحافة. ففي دول مثل المجر وإيطاليا، تزداد الضغوط على الصحفيين، حيث لا تزال وسائل الإعلام العامة تحت سيطرة الحكومة بشكل كبير، ما يشير إلى أن تطبيق القانون قد يكون صعبًا في ظل هذه الظروف.
التحديات في دول الاتحاد الأوروبي
في المجر، تصاعدت الضغوط على الصحفيين في العام الماضي، حيث أصبحت الهيئة التنظيمية الوطنية ووسائل الإعلام العامة تحت سيطرة الحكومة إلى حد كبير. وفي إيطاليا، منذ تولي الائتلاف اليميني بقيادة جورجيا ميلوني، تعرضت الصحافة لتهديدات متزايدة، بما في ذلك هجوم على هيئة الإذاعة العامة “راي”، التي أصبحت تحت سيطرة الحكومة بشكل متزايد.
من جهة أخرى، في سلوفاكيا، وصف رئيس الوزراء روبرت فيكو الصحفيين بـ “الأوغاد المتعطشين للدماء”، مما خلق بيئة معادية للصحافة المستقلة. وفي مالطا، اتهمت منظمة مراسلون بلا حدود الحكومة بممارسة ضغوط شديدة على وسائل الإعلام الخاصة والعامة من خلال النفوذ والإعلانات الحكومية.
التطبيق الفعلي للقانون: هل سيحدث فرقًا؟
حتى مع دخول القانون حيز التنفيذ، يظل تطبيقه مشكوكًا فيه في العديد من دول الاتحاد الأوروبي. تشير التقارير إلى أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد كانت مترددة في تنفيذ القوانين الجديدة، مما يشير إلى أن التحدي الأكبر سيكون في ضمان تنفيذها بشكل كامل وفعال.
قالت فيرا جوروفا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية السابقة لشؤون القيم والشفافية، إنها متوترة بشأن قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض هذه القوانين. وأكدت أنها تأمل أن يكون لدى المفوضية الإرادة السياسية لفرض هذه القواعد، لكن التنفيذ الفعلي سيعتمد على مدى التزام الدول الأعضاء.
ضغوط سياسية تواجه حرية الإعلام
يعتقد بعض السياسيين في دول الاتحاد الأوروبي أن وسائل الإعلام أصبحت غير ضرورية في ظل الاعتماد المتزايد على شبكات التواصل الاجتماعي، التي لا تخضع للرقابة بنفس القدر. هذا التوجه يعكس تآكل الثقة العامة في وسائل الإعلام التقليدية، ما قد يؤدي إلى تقليل أهمية الحرص على تنفيذ قوانين حماية حرية الصحافة.
وقالت سابين فيرهين، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، إن “العمل الحقيقي يبدأ الآن، ويتطلب ضمان تنفيذ القوانين في كل دولة عضو”. بينما أشار المدير العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، تيبو بروتين، إلى أن بعض الدول تواصل التراخي في تنفيذ القانون، مما يعكس نقصًا في الرقابة على التشريعات الوطنية.
التحديات على المستوى الرقمي
من جانب آخر، يتناول القانون أيضًا كيفية التعامل مع وسائل الإعلام الرقمية. مع تزايد سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وإنستغرام على الفضاء الإعلامي، أضاف القانون التزامًا جديدًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتعين عليهم الانتظار 24 ساعة قبل إزالة أو تقييد منشور يخالف القواعد، ما يمنح المستخدمين وقتًا للطعن في القرارات.
لكن، كما أشار المسؤولون في المفوضية الأوروبية، لا تزال المبادئ التوجيهية بشأن هذه الآلية غامضة، ولا يُتوقع أن يتم نشر الإرشادات التفصيلية إلا في الخريف المقبل.
وبينما يُعد قانون حرية الإعلام خطوة مهمة نحو تحسين بيئة الإعلام في أوروبا، فإن نجاحه يعتمد على قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض القوانين وتنفيذها بشكل فعال. في ظل تزايد الضغوط على الصحافة في العديد من الدول، يبقى المستقبل غير واضح بشأن قدرة هذا القانون على تحقيق التغيير الفعلي في حرية الصحافة في الاتحاد الأوروبي.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29523