عام على مقامرة ماكرون: هل يعيد الرئيس الفرنسي خلط أوراق السياسة بانتخابات مبكرة جديدة؟

قبل عام بالتمام، هز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشهد السياسي في بلاده وأوروبا حين دعا إلى انتخابات برلمانية مبكرة في يونيو/حزيران، في خطوة وصفت آنذاك بالمقامرة الكبرى التي كادت تُوصل اليمين المتطرف إلى الحكم.

اليوم، وبعد مرور 12 شهرًا على تلك الانتخابات التي أفقدت حزبه أغلبيته البرلمانية، تلوح في الأفق مجددًا تساؤلات حول ما إذا كان ماكرون يفكر في تكرار المغامرة بدعوة الفرنسيين إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى، رغم نفيه العلني لذلك في مناسبات عدة، كان آخرها خلال زيارة إلى مدغشقر في أبريل/نيسان الماضي.

شبح الانتخابات المبكرة

فعلى الرغم من تأكيد الرئيس في ربيع هذا العام أنه لا يعتزم حل البرلمان مجددًا، تؤكد مصادر مقربة من الإليزيه — تشمل أصدقاء للزوجين الرئاسيين ومسؤولين حاليين وسابقين — أن فكرة الدعوة إلى انتخابات جديدة لا تزال تراوده، أو على الأقل تُستخدم كورقة ضغط سياسية في مواجهة خصومه داخل الجمعية الوطنية.

ويبدو أن النقاش لا يقتصر على أروقة السلطة. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وخلال حديث خاص في قصر الإليزيه، نقلت بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس، تردّدها بشأن قرار زوجها بالدعوة إلى الانتخابات السابقة، حين سألت ضيفًا مقربًا: «وأنت أيضًا، هل تعتقد أن هذه كانت خطوة غبية؟»

سؤال بدا أن له ما يبرره. إذ كانت خطوة ماكرون بالدعوة إلى انتخابات جديدة ليلة إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية في يونيو 2024 محاولة لوقف زحف حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، لكنها أتت بنتائج عكسية: خسر حزب ماكرون أغلبيته الهشة، بينما حقق اليمين المتطرف اختراقًا غير مسبوق في البرلمان الفرنسي.

أزمة سياسية ممتدة

أعقب تلك الانتخابات شهور من الاضطراب السياسي. سقط رئيس الوزراء ميشيل بارنييه سريعًا، وحلت محله حكومة يقودها الوسطي المخضرم فرانسوا بايرو، لكنها ظلت ضعيفة أمام معارضة يمينية متطرفة باتت قادرة على تهديد إسقاطها في أي وقت.

في خطابه بمناسبة العام الجديد، قدّم ماكرون اعترافًا مبطنًا بخطأه، قائلًا: «لقد جلب هذا القرار مزيدًا من عدم الاستقرار بدلًا من السكينة، وأتحمل كامل المسؤولية عن ذلك». غير أن مستشاريه أشاروا إلى أن الرئيس لم يعبر بوضوح عن ندمه، وهو ما زاد الشكوك حول إمكانية إقدامه على خطوة مماثلة مستقبلًا.

«الرئيس المقامر»

ماكرون، المعروف بنزعته إلى اتخاذ قرارات مفاجئة، يصفه مقربون بأنه «رئيس مقامر». يقول أحد مساعديه السابقين: «إنه مثل مقامر يخرج من الكازينو وجيوبه شبه فارغة، لكنه مقتنع بأنه في المرة القادمة سيربح كل شيء».

حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك خطة محددة لحل البرلمان مجددًا، لكن ماكرون، بحسب مقربين منه، يلوح باستمرار بورقة الانتخابات كأداة سياسية للضغط على المعارضة أو لضبط إيقاع حكومته، خاصة مع شعوره المتزايد بالإحباط من أداء رئيس وزرائه بايرو، الذي يوصف بأنه «رجل ميت يمشي» سياسيًا.

وقد زادت فضيحة قديمة تتعلق باتهامات إساءة معاملة أطفال تعود لفترة تولي بايرو منصب وزير التعليم في التسعينيات من التكهنات حول إمكانية إقالته، ما قد يفتح الباب لتشكيل حكومة جديدة أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

الخوف من 2027

المعضلة التي يواجهها ماكرون تتجاوز فقط استقرار حكومته الحالية. فرغم أن تحالف اليسار تمكّن في الصيف الماضي من منع وصول التجمع الوطني إلى رئاسة الحكومة، فإن اليمين المتطرف حقق مكاسب انتخابية شعبية لافتة، ما يجعله أقرب من أي وقت مضى للسلطة قبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة في 2027.

وفيما يحاول مقربو ماكرون تبرير قرار انتخابات العام الماضي بأن نسبة المشاركة المرتفعة أثبتت صحة رهانه الديمقراطي، تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الفرنسيين ما زالوا يرون في تلك الخطوة مقامرة خاسرة.

وفي النهاية، وكما قال أحد أصدقاء الرئيس: «ماكرون في حالة غليان. هذا يُجنّنه. لكنه قد يبقى الرجل الذي يقرر خوض المغامرة مرة أخرى في اللحظة الأخيرة. تمامًا كما فعل الصيف الماضي».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.