هاجمت الحكومة الإسرائيلية بشدة الاتحاد الأوروبي بعد أن أطلقت بروكسل مراجعة رسمية لاتفاقية الشراكة الموقعة مع إسرائيل، استجابةً لما وصفتها بـ”الأزمة الإنسانية المتفاقمة” في قطاع غزة. وأدانت إسرائيل القرار الأوروبي واصفةً إياه بأنه “مثير للغضب وغير لائق”، مما أدى إلى تصعيد جديد في التوترات بين الطرفين.
مذكرة إسرائيلية غاضبة
في مذكرة سرية قدّمتها الحكومة الإسرائيلية إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي – اطلعت عليها بوليتيكو – وصفت تل أبيب مراجعة الاتحاد بأنها “مُشينة وتفتقر إلى الإنصاف”، متهمة بروكسل بالتحيّز وتجاهل الرواية الإسرائيلية للأحداث.
وجاء في الوثيقة التي حملت تاريخ 18 يونيو:
“هذه المبادرة ليست فقط غير مبررة، بل شائنة أيضًا. إنها تُظهر فشلًا ذريعًا في التمييز بين ديمقراطية تدافع عن نفسها وبين منظمات إرهابية ترتكب جرائم إبادة جماعية”.
وأكدت المذكرة أن إسرائيل لم تُمنح فرصة عادلة للرد، مشيرةً إلى أن المراجعة تمت استنادًا إلى “أدلة مشوهة ومُحمّلة بالتحيّز السياسي”، دون إجراءات قانونية واضحة أو جلسات استماع مناسبة.
تحقيق أوروبي في الانتهاكات
وكانت المفوضية الأوروبية قد فتحت تحقيقًا رسميًا في احتمال انتهاك إسرائيل لبنود حقوق الإنسان الواردة في اتفاقية الشراكة، والتي تشمل التعاون السياسي والتجاري والاقتصادي. وقد جاءت هذه الخطوة بدفع من غالبية دول الاتحاد الأوروبي، على خلفية الأوضاع الكارثية في غزة وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
ووفقًا لمسودة أولية للنتائج، فإن أفعال إسرائيل في غزة قد تشكل انتهاكًا مباشرًا للاتفاق، وهو ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات أو حتى تعليق الاتفاقية، رغم أن مثل هذا القرار يتطلب إجماعًا من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، وهو أمر غير مرجح في الوقت الراهن.
اجتماع وزاري حاسم
من المقرر أن تُقدم كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، نتائج المراجعة رسميًا خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد يوم الاثنين. وسيناقش الوزراء الخطوات الممكنة، والتي تتراوح بين الاكتفاء بالتوبيخ، مرورًا بفرض قيود تجارية، وصولًا إلى التعليق الكامل لاتفاقية الشراكة.
ورغم صعوبة الوصول إلى إجماع، تُظهر تحركات دول مثل هولندا وألمانيا – المعروفة تقليديًا بمواقفها الداعمة لإسرائيل – تغيرًا في المزاج الأوروبي، خاصة بعد تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة والتحذيرات المتكررة من وقوع مجاعة.
إسرائيل ترفض الاتهامات وتهاجم الإجراءات
في ردّها التفصيلي على استبيان مؤلف من ثمانية أسئلة أرسله الاتحاد الأوروبي في 12 يونيو، رفضت الحكومة الإسرائيلية الإقرار بأنها “قوة محتلة” في الأراضي الفلسطينية، وزعمت أن حركة حماس “تتحمل المسؤولية الحكومية الكاملة في غزة”.
واتهمت إسرائيل مسؤولي الاتحاد بتجاوز الأطر القانونية والدبلوماسية، مشيرةً إلى أن تل أبيب لم تُمنح حتى الحد الأدنى من الاحترام كـ”دولة ذات سيادة وشريك استراتيجي”.
الخلفية الجيوسياسية والتأثير الأميركي
تأتي هذه المراجعة في وقت حرج بالنسبة للمنطقة، حيث شاركت الولايات المتحدة فعليًا في الحرب بعد شنّ ضربات جوية على منشآت نووية إيرانية خلال عطلة نهاية الأسبوع، في خطوة زادت من تعقيد المشهد.
وقد أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشراك القاذفات الأميركية مخاوف من توسّع النزاع، وهو ما يضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة مزدوجة: الحفاظ على علاقات استراتيجية مع إسرائيل والولايات المتحدة، مقابل الالتزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
ألمانيا تحت المجهر
تبقى ألمانيا الدولة الأكثر ترجيحًا لتغيير دفة القرار الأوروبي. فبعد سنوات من الدعم غير المشروط لإسرائيل، أصبحت برلين تحت قيادة أكثر انتقادًا للنهج الإسرائيلي، خاصة بعد فشل محاولات تحسين الوضع الإنساني في غزة.
وإلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي عبّرت بدورها عن قلق بالغ حيال الممارسات الإسرائيلية، يُتوقع أن يكون الموقف الألماني حاسمًا في تحديد ردّ فعل الاتحاد الأوروبي.
وتمثل مراجعة الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل أحد أكثر التحديات دبلوماسيةً وتعقيدًا في السياسة الخارجية الأوروبية منذ سنوات. وإذا قرر الاتحاد اتخاذ أي إجراء عقابي، فسيكون ذلك بمثابة منعطف كبير في العلاقات الأوروبية-الإسرائيلية، خاصة في ظل استمرار الحرب على غزة والانخراط الأميركي المباشر فيها.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29380