ميلانشون ضد غلوكسمان: المعركة على قيادة اليسار الفرنسي قبل انتخابات 2027

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027، تشهد الساحة السياسية مواجهة محتدمة بين جان لوك ميلانشون، زعيم اليسار الراديكالي، ورافائيل غلوكسمان، النائب الأوروبي الوسطي المؤيد للناتو، على قيادة اليسار الفرنسي في مواجهة اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان أو جوردان بارديلا.

ورغم بقاء نحو 17 شهرًا قبل الانتخابات، بدأت المعركة العلنية بين المرشحين تنذر بانقسام كبير داخل اليسار، ما قد يضعفه أمام التحدي الأكبر المتمثل في مواجهة اليمين المتطرف في الجولة الثانية.

ويخشى المراقبون من أن يؤدي هذا التناحر الداخلي إلى حرب أهلية سياسية داخل المعسكر اليساري، ما لم ينجح أحدهما في التفوق على الآخر قبل انطلاق الحملات الانتخابية الكبرى.

ميلانشون، البالغ من العمر 74 عامًا، متشدد سياسيًا وقد ترشح للرئاسة ثلاث مرات، وهو معروف بدعوته لرفع الحد الأدنى للأجور، وخفض سن التقاعد إلى 60 عامًا، والانسحاب من حلف الناتو.

في المقابل، غلوكسمان البالغ 46 عامًا، عضو البرلمان الأوروبي، يُعرف بموقفه المعتدل والداعم لتعزيز القوة العسكرية الأوروبية، ويؤيد سياسة ضبط المالية العامة وإصلاح نظام التقاعد الفرنسي.

خلافاتهما الأيديولوجية أدت إلى تدهور الخطاب السياسي بينهما، حيث وصف ميلانشون غلوكسمان على مدونته بأنه “محرّض حرب مُتعصب” و”الطفل المدلّل للفراغ الإعلامي”، بينما رد غلوكسمان متهمًا ميلانشون بـ”الترويج لرواية الكرملين” ومؤكدًا أن الصراع يدور حول “رؤية للديمقراطية”.

وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن اليمين المتطرف قد يواجه مرشحًا يساريًا في الجولة الثانية، لكن فرص ميلانشون تبدو أقل بكثير من غلوكسمان في مواجهة بارديلا.

ووفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة أودوكسا، يُتوقع أن يخسر ميلانشون بنسبة 26% مقابل 74%، في حين يخسر غلوكسمان بنسبة 42% مقابل 58%.

وتستند استراتيجيات المرشحين إلى قاعدتين انتخابيتين مختلفتين. يركز ميلانشون على الناخبين في المناطق الحضرية ذات الأغلبية العمالية، حيث يحقق دعمًا جماهيريًا قويًا، بينما يسعى غلوكسمان لجذب المعتدلين والاشتراكيين السابقين الذين انضموا إلى حركة ماكرون الوسطية، محاولًا توسيع قاعدته السياسية إلى الناخبين الأكثر اعتدالًا.

ويعتبر ميلانشون شخصية مثيرة للانقسام، ويحظى بدعم قوي من نواة حزبه رغم ارتفاع آراء المعارضة السلبية تجاهه. أما غلوكسمان، فلا يزال غير معروف نسبيًا في الشارع الفرنسي، ما يثير مخاوف بعض أعضاء الحزب الاشتراكي بشأن قدرته على قيادة حملة ناجحة وتثبيت نفسه كمرشح موحد للمعسكر اليساري.

ورغم الانقسامات، يرى بعض قادة حزب فرنسا المتمردة، الذي يتزعمه ميلانشون، أن الانتخابات القادمة قد تشهد تقلبات غير متوقعة، وأن التجمع الوطني قد يفقد جزءًا من الدعم عندما يصبح احتمال انتصار اليمين المتطرف ملموسًا.

وأكد مانويل بومبارد، المنسق الوطني للحزب، أن نتائج الجولة الثانية لا يمكن التنبؤ بها، وأن الناخبين غالبًا ما يقررون تصويتهم عندما يصبح الاختيار حاسمًا.

ومع هذه المعطيات، تبرز الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة كساحة مواجهة حاسمة ليس فقط بين اليسار واليمين، بل أيضًا داخل المعسكر اليساري نفسه، حيث يتصارع ميلانشون وغلوكسمان على تحديد هوية وحظوظ اليسار في مواجهة التحديات السياسية المستقبلية على الصعيدين الوطني والأوروبي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.