وول ستريت جورنال: ترامب يدفع قادة أوروبا لإعادة التفكير في ترتيباتهم النووية

تعتبر الولايات المتحدة هي القوة النووية الأكبر في أوروبا، لكن الشكوك حول التزام واشنطن تدفع القادة في القارة العجوز لإعادة التفكير في ترتيباتهم النووية.

في مارس 2022، دخل الرئيس الفرنسي إلى المخبأ النووي العميق تحت قصره الرئاسي لقيادة تمرين يُعرف باسم “بوكر”. اختار المسؤولون تلك الليلة لصفاء السماء، في محاولة لإرسال رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان قد أطلق تهديدًا مبطنًا للغرب من خلال رفع حالة التأهب النووي لبلاده.

انتظر القادة مرور قمر صناعي روسي تجسسي فوق مدرج بعيد، ثم أطلقوا تدريبات واثقين من أن الكرملين سيراقب. أقلعت طائرات “رافال” الفرنسية وهي تحمل أسلحة وهمية لمحاكاة هجمات على دولة غير مسماة — في عرض استعراضي يعرف بـ “الإشارات النووية”.

فرنسا تتميز بقدرتها على إرسال مثل هذه الإشارات. فمن بين الدول الثماني التي أعلنت امتلاكها للسلاح النووي، فإن فرنسا وبريطانيا هما الوحيدتان في أوروبا. أما القوة النووية الأكبر في المنطقة فهي الولايات المتحدة — حيث تستضيف دول الناتو مثل ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وتركيا أسلحة نووية أمريكية على أراضيها.

الآن، تبدو الحماية الأمريكية متزعزعة أكثر من أي وقت مضى، بعد انفتاح ترامب الدبلوماسي على روسيا، ووقفه المؤقت للمساعدات إلى أوكرانيا، وعدائه المتزايد تجاه أوروبا. كل ذلك أدى إلى دعوات متزايدة لإقامة “مظلة نووية أوروبية” تعتمد على ترسانتي فرنسا وبريطانيا، بعيدًا عن واشنطن.

قال المستشار الألماني المعيّن فريدريش ميرتس مؤخرًا: “تقاسم الأسلحة النووية مسألة نحتاج إلى الحديث عنها”، مشيرًا إلى دول أوروبية أخرى. وقد التقى ميرتس والرئيس الفرنسي ماكرون ثلاث مرات على الأقل منذ فوز ميرتس بالانتخابات في نوفمبر، لكن لم يصرّح أي منهما علنًا بأنهما ناقشا الملف النووي.

إقامة قدرة نووية أوروبية ستقلب أنظمة وترتيبات تعود لعقود، أرستها الولايات المتحدة في إطار الناتو خلال الحرب الباردة. هذه الخطوة ستكون باهظة التكلفة، وصعبة فنيًا، وتستغرق سنوات لتُنفذ بالكامل، كما تتطلب مراعاة دقيقة لمعاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية التي أُضعفت بالفعل من قبل قوى صاعدة ككوريا الشمالية وإيران. وستجبر الدول الأوروبية أيضًا على اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بتقاسم السيادة.

لا تظهر إدارة ترامب أي نية للتخلي عن سيطرتها على الوضع النووي في أوروبا. قال وزير الدفاع بيت هيغسث في مقر الناتو في وقت سابق من هذا العام إن على أوروبا أن “تتحمل مسؤولية أمنها التقليدي في القارة”، مشيرًا إلى الأسلحة غير النووية.

أثناء زيارة هيغسث لبروكسل، وصلت قاذفتان ثقيلتان من طراز B-52 الأمريكية إلى قاعدة جوية بريطانية لإجراء تدريبات مع مقاتلات حليفة حتى تركيا.

قالت مينا آلاندَر، الباحثة في مركز “تشاتام هاوس” البريطاني: “من الجميل رؤية طائرات B-52 تحلق فوق ستوكهولم، لكن هذا لا يكفي لردع نووي. الردع النووي يعتمد على الالتزام السياسي لرئيس الولايات المتحدة”. وأضافت آلاندَر، وهي فنلندية تعيش في ستوكهولم، أن الحديث عن الردع النووي ارتفع في أوروبا، بل وبدأ يُطرح حتى مفهوم “قنبلة نووية شمالية”.

سنوات من التهكم

في اجتماع حديث بمقر الناتو، قال الرئيس البولندي أندريه دودا إن “أي مظلة نووية ستعزز أمن بولندا”، وإن التعاون مع فرنسا في هذا السياق “واضح وطبيعي تمامًا”. ورفضت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن استبعاد التعاون النووي الأوروبي عند سؤالها.

منذ خمسينيات القرن الماضي، تستضيف ألمانيا أسلحة نووية أمريكية على أراضيها، وقد أكد المسؤولون الألمان أنهم يريدون استمرار هذا الترتيب طالما أمكن، حتى لو تم وضع ترتيبات مماثلة مع فرنسا أو المملكة المتحدة.

الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا تبقى تحت السيطرة الأمريكية الكاملة — على طائرات أمريكية، بأطقم أمريكية، وتحت قيادة أمريكية — لكن يمكن منحها للحلفاء غير النوويين في زمن الحرب تحت إشراف الناتو.

بالنسبة لماكرون ورفاقه الذين دعوا منذ فترة طويلة إلى أمن أوروبي مستقل عن أمريكا، فإن هذا التحول بمثابة انتصار بعد سنوات من التهكم.

قال جان-لويس لوزييه، القائد السابق في البحرية الفرنسية: “حتى الآن، كانت المقترحات الفرنسية تُقابل غالبًا بابتسامة ساخرة وكأنهم يقولون: ها هم الفرنسيون مرة أخرى يظنون أنفسهم لا غنى عنهم.”

لكن استبدال الدولة النووية الحامية لن يكون أمرًا سهلاً حتى داخل الناتو. فبريطانيا لا تطلق أسلحتها النووية إلا من غواصات. والأسلحة النووية الفرنسية بحاجة إلى تعديلات كبيرة لتُطلق من طائرات أو غواصات غير فرنسية — إذا وافقت فرنسا أصلًا. وقد صرّح ماكرون سابقًا بأن قرار الضرب النووي سيكون دائمًا بيد الرئيس الفرنسي.

للبقاء ضمن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1970، يجب أن تبقى السيطرة على الأسلحة الفرنسية أو البريطانية بيد باريس أو لندن، حتى لو تم نشرها في أراضي الحلفاء. كان من السهل نسبيًا على الأوروبيين القبول بالهيمنة الأمريكية خلال الحرب الباردة، لكن التخلي عن السيادة لصالح جار أوروبي الآن قد يخلق تحديات سياسية.

وكل ذلك يفترض أن لدى فرنسا وبريطانيا فائضًا نوويًا — وهو ما لا يحدث.

اختبارات فاشلة

كانت بريطانيا من أوائل الدول التي ساهمت في مشروع مانهاتن خلال الحرب العالمية الثانية، وامتلكت قنبلتها النووية الخاصة بعد ذلك، لتصبح الدولة الثالثة نوويًا بعد أمريكا والاتحاد السوفيتي. لكن حظوظها النووية تراجعت منذ ذلك الحين.

اليوم، تعتمد بريطانيا على أربع غواصات فقط لحمل رؤوسها النووية، وتملك أصغر ترسانة بين القوى النووية الكبرى، بنحو 250 رأسًا نوويًا. وتقول الحكومة البريطانية إنها تسعى إلى الحفاظ على “ردع نووي مستقل وموثوق بأقل حد ممكن”.

لكن لندن تواجه صعوبة في إدارة قواتها النووية. ففي اختبار إطلاق نووي العام الماضي، فشل صاروخ “ترايدنت” في الإقلاع وسقط مباشرة في البحر. أما التجربة التي سبقتها عام 2016، فقد اتجه صاروخ غير مسلح من المفترض أن يتجه نحو أفريقيا، نحو الولايات المتحدة بدلًا من ذلك، ما اضطر القادة إلى تدميره ذاتيًا.

العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة سمحت لبريطانيا بإدارة ترسانتها النووية بأقل التكاليف الممكنة. فبريطانيا تستأجر من الولايات المتحدة الصواريخ الباليستية التي تحمل رؤوسها النووية، وتُطلق تلك الصواريخ من غواصات بريطانية تحت إشراف أمريكي. كما أن معظم مكونات الغواصات البريطانية يتم شراؤها من موردين أمريكيين. حتى الرأس النووي البريطاني مستوحى من تصميم الرأس الأمريكي W76.

الآن، تخوض لندن مشروع تحديث مكلف ومتأخر، قد يُضعف باقي قواتها المسلحة. فهي بصدد استبدال غواصات “فانغارد” التي تعود للـ1990ات، وتحديث رؤوسها النووية، بتكلفة تُقدّر بـ100 مليار جنيه إسترليني (نحو 129 مليار دولار) بين 2023 و2033. ومع ارتفاع التكاليف، يواجه السياسيون ضرورة الاختيار بين القوات النووية والتقليدية.

جوهر الردع النووي

خلال الخمسينيات، دخلت واشنطن وموسكو سباق تسلح نووي، مع تطوير كل طرف لأسلحة تتفوق على الأخرى في المدى والدقة والعدد. وقد استكشفت كلا الدولتين إمكانيات استخدام السلاح النووي في بداية حرب شاملة، أو كرد انتقامي.

لكن الدول الأوروبية لا ترغب في امتلاك قدرة على الضربة الأولى، بل تسعى إلى تحقيق “الردع” — أي أن تدرك روسيا أن أي هجوم نووي منها سيؤدي إلى دمار هائل.

عندما طوّرت فرنسا سلاحها النووي في الخمسينيات — في تحدٍ للولايات المتحدة — نُقل عن الرئيس شارل ديغول قوله إن القنابل تحتاج فقط إلى “تمزيق ذراع الدب الروسي”، لا إلى تدميره كليًا.

وتواصل فرنسا استثمار مليارات الدولارات سنويًا للحفاظ على ترسانة تُقدّر بـ290 رأسًا نوويًا، تعمل باستقلال تام عن واشنطن. وتصنع جميع مكوناتها محليًا. وكبريطانيا، لا تُنشر كامل القوة النووية البحرية الفرنسية في آنٍ واحد، إذ تُخضع جزءًا منها للصيانة والتدريب.

وتذكّر فرنسا روسيا بقوتها من خلال إجراء مناورات “بوكر” النووية كل بضعة أشهر، حيث تنطلق طائرات “رافال” محملة بقنابل هيدروجينية وهمية.

أما بريطانيا، فلا يمكنها تنفيذ إشارات نووية مماثلة، إذ يؤدي ظهور غواصاتها إلى الكشف عن مواقعها، ما يجعلها هدفًا محتملاً. ومع ذلك، تدرك روسيا أن غواصات فرنسا وبريطانيا تترصّد في أعماق البحار.

الدعم الأميركي الخلفي

على عكس الترسانات النووية الضخمة التي طورتها واشنطن وموسكو، فإن ترسانتي فرنسا وبريطانيا كانتا دائمًا بمثابة دعم إضافي للمظلة النووية الأميركية على أوروبا. وقد منحت تلك الترسانات طبقة أمن إضافية، وهيبة للدولتين الحائزتين على عضوية دائمة في مجلس الأمن، ورسالة غير مباشرة لروسيا.

قال براني فادي، كبير خبراء الشؤون النووية في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة بايدن:
“كانت استراتيجيتا بريطانيا وفرنسا النوويتان دائمًا مبنيتين على وجود دعم أميركي نووي في الخلفية.”

ويضيف أن القوات النووية في لندن وباريس تم بناؤها بافتراض أن الترسانة الاستراتيجية الأميركية ملتزمة بالدفاع عنهما، وأن القوات الأميركية التقليدية والنووية في أوروبا ستشارك في الدفاع عن الناتو ضد أي هجوم روسي.

لكن بعض المسؤولين السابقين في البنتاغون يرون أن على فرنسا وبريطانيا تحديث ترسانتيهما بمليارات الدولارات إذا أرادتا تحقيق مرونة تضاهي تلك الأميركية. وأحد مصادر القلق أن فرنسا وبريطانيا تمتلكان عددًا محدودًا — إن وُجد — من الأسلحة النووية ذات القدرة المنخفضة، التي قد تُستخدم للردع أو الرد على هجوم نووي روسي محدود دون تصعيد شامل.

ويرى خبراء آخرون أن ترسانتي فرنسا وبريطانيا الحاليّتين قد تكونان كافيتين، خاصة إذا أعلنت الدولتان التزامهما بالدفاع عن الناتو ودمجهما في التخطيط العسكري للحلف.

قال جون وولفستال، من اتحاد العلماء الأميركيين:
“بضع مئات من الرؤوس النووية تمثل قوة تدميرية لم يشهدها كوكب الأرض من قبل.”

لكن مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة سترد نوويًا على هجوم روسي على أوروبا ظلت دائمًا سؤالًا دون إجابة، نظرًا لاحتمال أن يدفع ذلك موسكو لمهاجمة أميركا.

قال جيمس ديفيس، رئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة سانت غالن السويسرية:
“هل ستخاطر الولايات المتحدة بنيويورك انتقامًا لضرب موسكو للندن أو باريس؟ ربما لا، وهذا ما يقلق الأوروبيين بصمت.”

والسؤال الجديد اليوم: هل ستضحي فرنسا بباريس انتقامًا لهجوم نووي روسي على براغ؟

يقول ديفيس: “بشكل ما، الوضع أسهل للأوروبيين”، لأن أي هجوم نووي على دولة أوروبية قد يُشعع القارة بأكملها.

حتى الآن، لا يزال شكل “الردع النووي الأوروبي الخالص” موضوعًا قيد النقاش، وليس من الواضح إن كانت الولايات المتحدة ستقبله. ومن غير المتوقع أن تتقدم هذه النقاشات بسرعة.

وقال السيناتور الفرنسي سيدريك بيرين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان:
“الدول الأوروبية يمكن أن تساهم في تمويل القوة النووية الفرنسية، التي كلّفت نحو 6.6 مليار دولار العام الماضي فقط للحفاظ عليها.”

وأضاف بيرين: “الحماية النووية الفرنسية لها ثمن.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.