يوم حاسم لخطة الاتحاد الأوروبي لمنافسة وول ستريت وسط انقسامات سياسية حادة

يستعد الاتحاد الأوروبي الخميس للكشف عن واحدة من أكثر خططه طموحًا في العقد الأخير، وهي حزمة إصلاحات مالية واسعة النطاق تهدف إلى إعادة تشكيل أسواقه المالية بما يمكّنه من منافسة القوة الضاربة في نيويورك، وول ستريت.

غير أن هذه الخطوة التي يُفترض أن تُطلق مرحلة جديدة من التكامل المالي الأوروبي، تواجه خطر الغرق في الخلافات السياسية ذاتها التي أعاقت مشاريع مشابهة خلال العقدين الماضيين.

وتسعى المفوضية الأوروبية من خلال الحزمة المرتقبة إلى تعديل ما لا يقل عن عشرة قوانين مالية قائمة، في محاولة لفتح الأسواق الوطنية المغلقة، كسر الحواجز التقنية والجمركية، وتعزيز تدفقات رأس المال بين الدول الأعضاء.

ويأتي هذا التوجه في ظل حاجة ملحّة لتعبئة استثمارات خاصة تُقدّر بتريليونات اليوروهات، خاصة بعد الأعباء الاقتصادية لجائحة كورونا وسنوات من التضخم المتصاعد.

وتعوّل بروكسل على تحرير حوالي 11 تريليون يورو من المدخرات التي يحتفظ بها الأوروبيون في حساباتهم البنكية، بهدف ضخها في الشركات والأسواق التي تعاني ضعفًا في التمويل مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة والصين.

ومن أبرز عناصر الحزمة، دفع المفوضية باتجاه إنشاء هيئة رقابة أوروبية قوية للأسواق المالية، وهي فكرة أثارت على الفور اعتراضات من عدة عواصم أوروبية تُصرّ على إبقاء سلطة الرقابة في أيدي الهيئات الوطنية.

وقال وزير الأسواق المالية السويدي نيكلاس ويكمان في تصريح انتقادي واضح: “إذا بقينا عالقين في نقاش لا نهاية له حول كيفية تنظيم الرقابة… فلن يقربنا ذلك من هدفنا.”

وترى السويد ودول أخرى أن تركيز المفوضية يجب أن يكون على تشجيع الاستثمارات الفردية، مثل الأسهم والسندات، بدل الانشغال بجدل سلطة الرقابة.

وتشمل الحزمة أيضًا مقترحات لتعزيز “شريط تداول” عام على مستوى الاتحاد الأوروبي لتجميع بيانات التداول بأسعار معقولة، إضافة إلى برنامج تجريبي موسّع للتمويل اللامركزي يشمل منتجات العملات المشفرة، وتبسيط الإجراءات الورقية لتسهيل بيع صناديق الاستثمار عبر الدول الأعضاء.

وتبدو هذه التحركات جذابة لكثير من الفاعلين في القطاع، مثل بورصات الأوراق المالية والجهات المشغلة لمراكز الإيداع التي تعمل على مستوى عابر للحدود.

لكنها واجهت في الوقت ذاته مقاومة من مديري الأصول الذين يخشون رقابة أوروبية أكثر تشددًا، ومن بورصات وطنية تعتمد على أرباح بيانات التداول عالية التكلفة.

ورغم اتساع نطاق الحزمة وطموحها، تظل المفوضية الأوروبية مقيدة بصلاحيات محدودة، إذ لا تملك سلطة إجراء إصلاحات جذرية في ملفات أساسية مثل أنظمة التقاعد، الضرائب، وقوانين الإفلاس، وهي ملفات يرى خبراء أنها تشكّل “عنق الزجاجة” الحقيقي أمام إنشاء سوق مالية موحدة بالكامل.

كما أن العديد من الحكومات الوطنية لا ترغب في إنفاق رأس مال سياسي داخلي لتمرير إصلاحات محلية تُفيد الاتحاد ككل أكثر مما تخدم مصالحها الوطنية المباشرة.

ورغم الانقسامات العميقة، تصر المفوضية على المضي في مشروعها. وقالت ماريا لويس ألبوكيركي، المسؤولة عن صياغة القانون المالي الجديد، في مقابلة مع بوليتيكو: “سيكون نقاشًا صعبًا بالطبع، لكن هذه هي النقاط التي تستحق النقاش، أليس كذلك؟”

ومع إطلاق الحزمة رسمياً، تدخل أوروبا يومًا حاسمًا في معركتها الطويلة مع التشتت المالي. فإذا نجحت المفوضية في تجاوز الخلافات الداخلية وتطبيق هذه الإصلاحات، فقد تكون أقرب من أي وقت مضى إلى تحويل سوقها المالية إلى قوة منافسة لوول ستريت.

أما إذا سقط المشروع مجددًا في فخ الانقسامات، فسيكون درسًا جديدًا حول حدود التكامل الأوروبي في مواجهة المصالح الوطنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.