25 عامًا سجنًا لمصري أدار شبكة تهريب بشر بملايين الدولارات من قلب لندن

في سابقة قضائية تعتبر الأولى من نوعها، حكم القضاء البريطاني بالسجن 25 عامًا على المصري أحمد عبيد، بعد إدانته بتسيير واحدة من أكبر شبكات تهريب البشر من شمال أفريقيا إلى أوروبا، انطلاقًا من داخل المملكة المتحدة. وتقدر قيمة العمليات التي شارك فيها عبيد بحوالي 16 مليون دولار (12 مليون جنيه إسترليني)، نقل خلالها ما يقارب 3800 مهاجر عبر البحر المتوسط إلى السواحل الإيطالية، في رحلات محفوفة بالمخاطر على متن قوارب بدائية.

صياد يتحول إلى منسق لعمليات عابرة للحدود
أحمد عبيد (42 عامًا) دخل المملكة المتحدة في 2022 على متن قارب صغير، وما لبث أن حصل على سكن مؤقت وفرته له السلطات البريطانية. لكن خلف هذا الغطاء البريء، كان عبيد يدير شبكة تهريب معقدة ترتبط بخلايا في ليبيا وشمال أفريقيا، تتولى تنظيم رحلات القوارب وتجهيزها بالطواقم، وتنسيق الاتصالات مع خفر السواحل الأوروبي لتأمين نقل المهاجرين إلى البر.

وبحسب وكالة الجريمة الوطنية البريطانية (NCA)، شارك عبيد في تنظيم سبع عمليات تهريب كبرى خلال عامي 2022 و2023، كانت تنقل مئات المهاجرين دفعة واحدة. وقد تم تتبعه بعد رصد اتصالات متكررة بهواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية كانت تستخدم على متن قوارب التهريب للاتصال بخفر السواحل.

تهديدات بالقتل وتجارة بلا رحمة
التنصت على منزل عبيد في لندن كشف عن تفاصيل صادمة. ففي إحدى المكالمات، أمر عبيد مساعديه بمنع المهاجرين من حمل الهواتف، وهدد بقتل أي شخص يُضبط بجهاز اتصال، قائلاً: “أخبروهم أن من يُقبض عليه بهاتف سيُقتل ويُرمى في البحر”. كلمات أثارت صدمة القاضي الذي وصفها لاحقًا بأنها تجسيد لقسوة واستغلال بلا حدود.

ووفقًا لتيم بيرتون، ممثل الادعاء الملكي، فقد “لعب عبيد دورًا قياديًا في شبكة إجرامية عرّضت حياة الآلاف للخطر من أجل أرباح طائلة”. وأضاف أن القوارب المستخدمة لم تكن مجهزة ولا آمنة لنقل هذا العدد الكبير من الأشخاص، ما شكل تهديدًا مباشرًا لحياتهم.

منكرٌ للدور ومدّعٍ للفقر
عبيد اعترف خلال محاكمته بمساعدته في تسهيل الهجرة غير النظامية، لكنه حاول التقليل من مسؤوليته، زاعمًا أن دوره اقتصر على تقديم نصائح ملاحية بحكم خبرته كصياد، وأنه لم يربح سوى 15 ألف يورو. إلا أن المحكمة رفضت هذه المزاعم، ووصف القاضي آدم هيدلستون المتهم بأنه كان يشغل “دورًا إداريًا مركزيًا داخل جماعة إجرامية منظمة”.

وقدرت المحكمة أرباح عبيد بنحو 12.3 مليون جنيه إسترليني، بناءً على شهادات مهاجرين جمعتها السلطات الإيطالية، حيث دفع كل شخص نحو 3,272 جنيهًا في المتوسط لقاء الرحلة.

أدلة رقمية وتوثيق للفظائع
خلال تفتيش منزله، عثرت الشرطة على هواتف وأجهزة تحتوي على صور ومقاطع فيديو لعمليات التهريب، بالإضافة إلى خرائط بحرية وإحداثيات، وصور لمبالغ نقدية كبيرة موضوعة على سرير. كما عُثر على مراسلات حول شراء قوارب وتنسيق عمليات النقل، وهو ما شكل دليلًا دامغًا على تورطه العميق في الشبكة.

مهاجرون بين الغرق والابتزاز
التقارير القضائية ربطت عبيد بعمليات تهريب شهدت وفيات وعمليات إنقاذ كبرى. ففي أكتوبر 2022، أنقذت السلطات الإيطالية أكثر من 640 مهاجرًا كانوا على متن قارب خشبي انطلق من ليبيا، وعُثر على جثتين على متنه. وفي أبريل 2023، نفذ خفر السواحل عمليتي إنقاذ أخريين شملتا أكثر من 1200 مهاجر.

جاك بير، رئيس التحقيقات في وكالة مكافحة الجريمة، قال إن عبيد استغل المهاجرين واعتبرهم “سلعة تدر أرباحًا”، مشيرة إلى أن بعض من عبروا المتوسط عبر شبكته ربما واصلوا الرحلة لاحقًا نحو بريطانيا على متن قوارب صغيرة.

سجل إجرامي سابق وشبكات أوسع
لم تكن هذه الإدانة الأولى لعبيد، إذ سبق أن حكم عليه بالسجن 6 سنوات في إيطاليا لمحاولته تهريب طن من القنب. وتقول الشرطة الإيطالية إن تحقيقاتها كشفت عن شبكات تهريب مشابهة تدر عشرات الملايين من اليوروهات، بينما تحذر وكالة “يوروبول” من تنامي دور المصريين في تنظيم عمليات الهجرة غير الشرعية عبر البحر والبلقان.

استغلال منظم وغياب الردع
الحكم على عبيد سلط الضوء على تعقيدات ملف الهجرة غير النظامية في أوروبا، وتداخل شبكات التهريب مع مسارات اللجوء. وبينما يغامر الآلاف بحياتهم كل عام بحثًا عن الأمان، يجد المهرّبون في معاناتهم فرصة للاستثمار، في ظل فشل الردع القانوني والرد السياسي في معالجة جذور الأزمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.