أسرار مثيرة عن عمل لوبي الإمارات ضد قطر في أوروبا

 

لندن – يورو عربي| نشر موقع “ميديبار” الفرنسي تحقيقا مثيرا بشأن نفوذ الإمارات في أوروبا لا سيما فرنسا، والمعلومات المضللة التي نشرت على الإنترنت، لا سيما إبان الأزمة الخليجية مع قطر.

وكشف التحقيق اعتماد “جواسيس أبوظبي” كما أطلق عليهم، على شركة “ألب سيرفيسيز” للاستخبارات والتأثير السويسرية، التي أسسها ماريو بريرو المعروف بأساليبه المثيرة للجدل.

ولفت التحقيق الذي عمل عليه أنتون روجيه، ويان فيليبين، إلى أن الإمارات أنشأت عددا كبيرا من المقالات الصحيفة الكاذبة، ولجأت إلى عمليات قرصنة لاختراق القطريين.

وذكر أن ذلك بمساعدة جواسيس إلكترونيين سابقين، فيما عمدت قطر إلى طلب مساعدة مخترقين من الهند للتجسس على خصومها.

وبين الموقع بالفضيحة الأخيرة التي هزت البرلمان الأوروبي التي مست قطر، وبفضيحة تسريب بريد سفير الإمارات في الولايات المتحدة.

وتاليا التقرير كاملا:

على ما يبدو أن “فريق خورخي”، الوكالة الإسرائيلية التي تقدم خدمات القرصنة والتوزيع الجماعي للمحتوى الذي تم التلاعب به على الإنترنت، والتي اشتهرت منذ الكشف عن “القصص المحرمة” في قضية القناة الفرنسية الإخبارية “بي آف آم تي في”، ليست لاعبا منعزلا في صناعة المعلومات المضللة.

يكشف تحقيق “ميديابار”، الذي يستند إلى بيانات وشهادات مسربة، عن شبكة نفوذ تعمل في فرنسا نيابة عن طرف أجنبي، يستمر نفوذها في النمو في باريس؛ وهي الإمارات العربية المتحدة.

ويتم تنسيق أنشطة هذه الشبكة من قبل شركة استخبارات اقتصادية مقرها سويسرا، تدعى “ألب سيرفيسيز”، التي نفذت بشكل خاص مهام استخباراتية خاصة نيابة عن عملائها. فيما يتعلق بالباحثين، الذين يدعي أحدهم علاقة مباشرة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تم نقل المعلومات بشكل ملحوظ إلى عميل استخبارات إماراتي، تمكنّا من تحديده.

ونشرت شركة التحقيقات هذه أيضا معلومات، بهويات مزيفة على الإنترنت، بهدف إلحاق الضرر بخصوم الإمارات، ولكنه يظهر أيضا خلف النسخة الإنجليزية والعربية من كتاب “أوراق قطر” للصحفيين كريستيان شينو (من راديو فرنسا) وجورج مالبرونو (من صحيفة لوفيغارو)، الذي كشف عن تمويل الجمعيات الإسلامية في أوروبا من قبل قطر، العدو اللدود لدولة الإمارات العربية المتحدة.

في المقابل، فإن ما كشف عنه موقع “ميديابار” هو جزء من حرب الظل القائمة بين الجارتين الخليجيتين، التي بلغت ذروتها بين سنتي 2017 و2021، عندما نفذ تحالف بقيادة الإمارات والسعودية ومصر حصارا على قطر.

إلى جانب ذلك، تُعد كل من قطر والإمارات العربية المتحدة من كبار المشترين للأسلحة الفرنسية، وتستثمران بسخاء في العقارات والرياضة (نادي باريس سان جيرمان) والثقافة (متحف اللوفر أبوظبي). كما أنفقوا ثروات مع شركات ووكالات علاقات عامة متخصصة في الاستخبارات الخاصة والمعلومات المضللة، من أجل التأثير على القادة السياسيين والرأي العام في الدول الغربية.

وأنشأت الإمارات – من خلال ممارسة الضغط ونشر مقالات صحفية كاذبة وحتى القرصنة – عملية “رايفين” لاختراق القطريين بمساعدة جواسيس إلكترونيين أمريكيين سابقين، بينما يشتبه في أن قطر تجسست على خصومها بمساعدة مخترقين هنود.

تم توثيق تجاوزات قطر في فرنسا وأوروبا، في قلب فضيحة الفساد الأخيرة في البرلمان الأوروبي، على نطاق واسع. كما تم التركيز على الإمارات العربية المتحدة بسبب ضغوطها العدوانية في الولايات المتحدة -لا سيما بعد اختراق صندوق بريد سفيرها-، لكن أنشطتها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي لم تكن معروفة حتى الآن.

المتحري السويسري والعميل الإماراتي

لأول مرة، يكشف موقع “ميديابار” الفرنسي كواليس عملية نفوذ في فرنسا وأوروبا، التي تشرف عليها مباشرة أجهزة المخابرات الإماراتية. في هذا الإطار؛ اعتمد جواسيس أبو ظبي على شركة “ألب سيرفيسيز” للاستخبارات والتأثير السويسرية، التي أسسها ماريو بريرو، البالغ من العمر 76 سنة في سنة 1989، وهو خبير في الصناعة يتمتع بأساليب مثيرة للجدل. وقد حُكم عليه في فرنسا لحصوله بشكل غير قانوني في سنة 2011 على سجلات المكالمات الهاتفية لزوج آن لوفرجون، رئيسة المجموعة النووية الفرنسية “أريفا” آنذاك، التي وصفتها “بالعميل السري”.

علاوة على ذلك؛ يُظهر تسريب بيانات سابق من “ألب سيرفيسيز”، كشف عنه موقع “هايدي نيوز” السويسري في سنة 2021، أن ماريو بريرو كان قد أثار مقالات صحفية تهدف إلى انتقاد المدعي العام في جنيف، بناء على طلب عشيقة ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس. وفي تسجيل صوتي؛ نظر في إمكانية بيع البحث الذي تم إجراؤه نيابة عن أحد عملائه، تاجر القطع الفنية السويسري إيف بوفييه، إلى خصمه الرئيسي الملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف، على أساس أن بوفييه لم يدفع لشركة  “ألب سيرفيسيز”.

وبينما اتَّهمنا المحاورون بمهاجمة الإمارات لتقديم الخدمة لقطر، ذكرناهم بأن موقع “ميديابار” كان مصدر العديد من القضايا، لا سيما الفساد، التي تورطت فيها شخصيات قطرية على وجه التحديد.

هذه التسريبات الكبيرة، المؤسفة لرجل يعمل في الظل، جعلت ماريو بريرو مشبوها للغاية تجاه المتعاونين معه؛ وذكرت عدة مصادر في بعض الأحيان أن طريقة إدارته كانت وحشية. في سنة 2021، أدين بعد أن جعل موظفة توقع وثيقة تحت الإكراه، كان بصدد الانفصال عنها.

وصرحت الضحية أن “برامج التجسس كانت موجودة في جميع محطات عمل الموظفين”، وعلى الرغم من إثارة هذه المسألة عدة مرات، إلا أن ماريو بريرو لم يرغب في الإجابة على أسئلتنا. في المقابل، يوضح محامياه، كريستيان لوسر ويان لامبرت، أن شركة “ألب سيرفيسيز” “متعهدة بالتزام السرية المهنية الصارمة، بكل أشكالها” فيما يتعلق بعملائها.

وأضاف محامو شركة “ألب سيرفيسيز” السويسرية، الذين أعلمونا رسميا “بتدمير جميع البيانات” المتعلقة بموكلهم، و”التخلي عن أي نشر للمعلومات التي حصلت عليها لجنة الأعمال غير القانونية”، أنه “في ضوء العناصر التي تظهر في بريدكم الإلكتروني، يبدو أنكم قد حصلتم على بيانات لها علاقة بهذه الأسرار، وتم الحصول عليها بطريقة غير قانونية”.

مجموعة “أفيزا بارتنرز” وعضو مجموعة الضغط سهام سويد

توضح المستندات الداخلية الجديدة من شركة “ألب سيرفيسيز”، التي حصل عليها موقع “ميديابار” الفرنسي، أن ماريو بريرو، مدير شركة “ألب سيرفيسيز” كان متهورا؛ فلقد قدم – في إطار نزاع تافه في مجلس تسوية النزاعات الفردية – الوثائق والصور التي تكشف عن معلومات عن مقدمي الأعمال وعملاء شركة “ألب سيرفيسيز”، وأكثرها حساسية تلك التي تتعلق بالعميل السري الإماراتي.

هذا الرجل، الذي حددناه وأطلقنا عليه اسم محمد، هو ضابط رفيع المستوى في خدمات الاستخبارات في أبو ظبي. وتبين أنه استخدم خدمات ماريو بريرو لمدة أربع سنوات على الأقل.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، عبر مدير شركة “ألب سيرفيسيز” في إرسالية قصيرة: “لقد كان يتناول العشاء مع محمد”، الذي منحه للتو “ثلاثة تفويضات مهمة ليصبح ما مجموعه … مليون يورو”. سيتم توقيع عقد آخر في وقت لاحق، مع رسوم 1.2 مليون فرنك سويسري كل ستة أشهر.

المهمة حساسة للغاية، لدرجة أن الاتصالات تسير حصريا من خلال عناوين مجهولة من ستة أرقام، وهي مفتوحة على خدمة البريد الإلكتروني المشفرة بروتون‌ ميل: الأول لشركة “ألب سيرفيسيز”، والثاني لعميلهم الإماراتي. كما التقى ماريو بريرو ومعاونوه أيضا، في سويسرا أو أبو ظبي، وكان العميل محمد والمسؤول الأعلى عنه، الملقب “بسعادة الملاكم” في الخدمة.

وفقا للوثائق التي اطلع عليها موقع “ميديابار”، ينص أحد العقود على أن  شركة “ألب سيرفيسيز” قامت على وجه الخصوص بدراسات استقصائية، تخص “شبكات التأثير” و”جماعات الضغط والمؤثرين والصحفيين” القطريين في الاتحاد الأوروبي.

في اقتراح تجاري للعميل الإماراتي، تقترح الشركة استهداف سهام سويد (وهي شرطية سابقة ومستشارة وزارية اشتراكية، أصبحت لاحقا عضوة في مجموعة ضغط قطرية في فرنسا)، من خلال التحقيق بشأنها وشأن زوجها، وشركتها، والبحث عن أي معلومات ضدها.

وحسب موقع “ميديابار” تخطط شركة “ألب سيرفيسيز” أيضا للتحقيق بشأن وكالة “أفيزا بارتنرز”، التي تؤمّن خدمات تسويقية واستشارية في الشؤون العامّة على امتداد القارّة، والتي تعمل لصالح قطر.

على ما يبدو أن هدف شركة “ألب سيرفيسيز” كان واضحا، الذي يتمثل حسب الوثيقة ذاتها في “مواجهة تصرفات جماعات الضغط في قطر على مستوى الاتحاد الأوروبي”، من خلال “الكشف عن العملاء الذين يعملون في الظل، “الذين برزوا من قبل العملاء العدوانيين مثل “أفيزا بارتنرز” وسهام سويد، وإدانتهم”.

يبدو الوضع جديرا بالاهتمام، لأن وكالة “أفيزا بارتنرز” رشحت نفسها مؤخرا لإعادة الاستحواذ المحتمل على خدمات شركة “ألب سيرفيسيز”، وفقا لمعلوماتنا. ومن جهتها، رفضت الشركة الفرنسية، التي تقول؛ إنها لم تعد تعمل في قطر “لسنوات”؛ التي اتصل بها موقع “ميديابار”، التعليق على هذا الموضوع، تماما مثل شركة “ألب سيرفيسيز”.

الغاية: مائة مقال دعائي في السنة

يتمثل الهدف هنا بالأساس في التأثير على الصحافة ونشر مقالات مضللة تهاجم من خلالها قطر والحركات المرتبطة بالإخوان المسلمين، التي تقدم لها الدوحة الدعم المالي والإعلامي. مع العلم أن هذه الحركة ظهرت في البداية في مصر وانتشرت في العديد من البلدان، تروج للإسلام السياسي والأيديولوجية المعادية للغرب واتباع السلوكيات المهذبة.

فاقم ظهور حركة الإخوان المسلمين التوترات التي عرفتها دول الخليج منذ أوائل العقد الأول من القرن الحال،ي على خلفية اتباع قطر نهج مغاير للإمارات والسعودية وتعزيز علاقاتها مع الحركة. ومع انطلاق الربيع العربي عام 2010 وتولى أعضاء منسوبون إلى حركة الإخوان المسلمين السلطة في تونس ومصر -وهو العامل الذي أقض مضجع ديكتاتوريات الخليج التي تخشى حدوث تحركات مماثلة-، اشتد الخلاف مع قطر. منذ ذلك الحين؛ لا تدخر المملكة العربية السعودية والإمارات جهدا في سبيل تصنيف حركة الإخوان المسلمين ضمن المنظمات الإرهابية.

استنادا إلى الوثائق؛ تهدف شركة “آلب سيرفيسيز” إلى نشر أو التأثير على مائة مقال سنويّا لمصلحة خدمة الإمارات العربية المتحدة، نُشر البعض منها عبر حسابات وهمية لا سيما في صحيفة “ميديابار” في العمود المخصص لذلك تحت اسم مستعار “تانيا كلاين”. في الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2021؛ نشرت هذه المدونة الوهمية خمسة عشر منشورا هاجمت من خلالها حركة الإخوان المسلمين وقطر.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2020؛ نشر فريق “ألب سيرفيسيز” منشورا قال فيه: “أخبار جيدة، أخيرا نشر لنا مقال دسم في فرنسا في مجلة “فالور أكتويل”. قبل بدء هذا التحقيق اعتُبرت هذه المنشورات مشبوهة، وتم التعرف عليها من قبل فريق الإشراف في ميديابار، الذي لم ينشرها وأزال حقوق مشاركة “تانيا كلاين”.

في وقت سابق؛ استخدمت الحيل نفسها، التي تهدف إلى التسلل إلى الفضاء التشاركي للصحيفة من قبل وكالات أخرى خدمة لمصالح عملاء أثرياء على غرار “أفيزا بارتنرز”، التي تؤمّن خدمات تسويقية واستشارية في الشؤون العامّة على امتداد القارّة، أو “ماجوريل” التي تعود لمستشار الاتصالات السابق جان إيف لودريان.

على الرغم من حذفه؛ تم اقتباس تدوينة “تانيا كلاين” في مقال لا يزال يتداول على الإنترنت، نشر في الثاني عشر من  تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 على الموقع الإلكتروني لمجلة “فالور أكتويل”، التي تُعرف بتوجهها اليميني المتطرف، كتبه الصحفي نيكولاس كليمان يصف خلاله مجلس مسلمي أوروبا بـ”البيت الأم للأخطبوط الإسلامي الموجود على الأراضي الفرنسية”، الذي أنشئ بعد قتل المعلم الفرنسي صمويل باتي عام 2020.

اقتبس الصحفي في مقاله مرتين من تدوينة “تانيا كلاين” التي نشرت قبل شهرين في ميديابار، والتي ذكرت خلالها أن حركة الإخوان المسلمين تعتمد استراتيجية معروفة تتمثل في “تغيير اسم إحدى منظماتها، عندما تصبح محل جدل ومسألة تتناولها مختلف وسائل الإعلام”.

عند سؤاله؛ أكد توغدوال دينيس وهو نائب رئيس تحرير مجلة “فالور أكتويل”، أن نيكولاس كليمان عثر على منشور المدونة “تانيا كلاين” بمفرده قائلا: “أؤكد لك في جميع الأحوال أن المقال لم يكن بناء على أمر ما، وأن الصحفي أجرى تحقيقه اعتمادا على مصادره المختلفة. كما أنفي وجود أي اتصال مع شركة “ألب سيرفيسيز””.

ومع ذلك؛ في اليوم التالي لنشر المقال؛ زعم فريق “ألب سيرفيسيز” في رسالة أرسلت إلى البريد الإلكتروني 842943@protonmail.com، يستخدمه الوكيل الإماراتي محمد أنه صاحب المنشور: “أخبار جيدة، أخيرا نشر لنا مقال دسم في فرنسا في مجلة “فالور أكتويل”، هذا من شأنه تدمير شبكات الإخوان المسلمين الموجودة في فرنسا، ويضع السلطات في موضع حرج؛ كونها أهملت التركيز على مجلس المسلمين في أوروبا”.

وأضافت “ألب سيرفيسيز” أنه على مواقع التواصل الاجتماعي تم تداول المقال، والتعليق عليه مئات المرات؛ معلنة أنها ستعمل في الوقت الراهن على ممارسة ضغط إضافي على وسائل الإعلام الأخرى ولوبيات سرية لحظر مجلس مسلمي أوروبا في فرنسا، أو على الأقل وضعه رهن التحقيق.

في رسالة بريد إلكتروني أخرى موجهة إلى الجهة نفسها، تتباهى “ألب سيرفيسيز” بنجاحها في النشر على الموقع البلجيكي Histoiresroyales.fr المتخصص في أخبار الملوك، مقالا يتهم  أحد أعضاء العائلة المالكة في قطر بالقتل والتعذيب.

وتتضمن الرسالة التي أرسلتها “ألب سيرفيسيز” إلى وكيلها: “صديقي العزيز، هذا هو المقال الذي نشرناه للتو عن شقيق الأمير”، بينما يقول نيكولاس فونتين رئيس تحرير Histoiresroyales.fr “هذا المنشور ليس دعائيّا”، مضيفا أنه خلال كتابة المنشور تم الاستناد إلى ثلاثة مصادر على شكل مقالات صحفية باللغة الإنجليزية.

تفكيك شبكات الإخوان المسلمين في أوروبا

تضمنت مهمة “ألب سيرفيسيز” أيضا في عام 2020؛ إجراء تحقيقات مكثفة حول الإخوان المسلمين في أوروبا، وخاصة في فرنسا وبلجيكا والنرويج. وعليه؛ أعد العملاء السويسريون تقارير حول شخصيات ومنظمات تابعة أو مقربة من حركة الإخوان المسلمين. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط؛ بل صمموا رسوما بيانية كبيرة حسب الدول، تجمع بين عشرات الأسماء التي تعتبر شخصيات عامة محسوبة على حركة الإخوان المسلمين.

قدمت “ألب سيرفيسيز” هذه  الوثائق إلى محمد، وكيل الخدمات الإماراتي، خلال اجتماع عمل نظم في أبو ظبي.

ما الفائدة من هذه القوائم؟ مع العلم أن حكومة الإمارات لم ترد خلال الاتصال بها عبر سفارتها في باريس.

خلال إنجاز مهمتها، استعانت “ألب سيرفيسيز” أيضا بخدمات الباحثين على غرار لورينزو فيدينو، وهو أكاديمي إيطالي ومدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن والخبير في الإسلام السياسي، وتجلى ذلك في توقيع فيدينو في كانون الثاني/ يناير 2018، الذي لديه العديد من المنشورات حول حركة الإخوان المسلمين، عقدا استشاريا مع الشركة السويسرية بقيمة آلاف اليوروهات.

يقول فيدينو الذي نفى معرفته بهوية العميل النهائي: “مثل العديد من الباحثين الآخرين غالبا ما أقدم نصائح للكيانات مثل مكاتب المحاماة والشركات الاستشارية وشركات العلاقات العامة والشركات الخاصة، لذا فإن هذه المهمة ليست غريبة بالنسبة لي”، وتابع فيدينو: “تعاوني كان مع “ألب سيرفيسيز” وأجهل ما فعلوه ببحوثي”، معتبرا أن الأموال التي تلقاها من وكالة المخابرات الخاصة لا تمس من “استقلاليته”

تباهى الخبير الأمني الفرنسي رولان جاكار أمام الإماراتيين بوصوله إلى الرئيس ماكرون

في صلب العلاقة بين “ألب سيرفيسيز” والخدمات السرية الإماراتية، يلوح اسم الخبير الأمني الفرنسي رولان جاكار، الذي تعرفه القنوات التلفزيونية كونه خبيرا في التطرف الإسلامي بعد ترأسه المرصد الدولي للإرهاب، وخلال حضوره في البرنامج التلفزيوني “هذا لكم” عام 2010، لوح رولان جاكار بيده بمجموعة من الدلائل حول كيفية حماية تنظيم القاعدة نفسه من المخابرات على الإنترنت.

في اليوم التالي؛ كشف موقع “توقف عند الصدور” أن الأمر في الواقع يتعلق بدليلٍ بسيطٍ لبرمجة الكمبيوتر يمكن تنزيله مجانا. في الوقت نفسه؛ وصف مسؤول سابق في المديرية العامة للأمن الخارجي في مدونته على موقع صحيفة “لوموند”، جاكار بالمتخصص الوطني في السبق الصحفي “المتعفن”.

وفي عام 2001؛ كشف جاكار عن رقم هاتف خلوي يسمح له بالوصول إلى مقر القاعدة، وتعليقا على ذلك؛ يقول عميل المديرية العامة للأمن الخارجي؛ إنه راجع قاعدة بيانات الخدمة، وأن الرقم المزعوم يعود إلى المنظمة الدولية للاتصالات اللاسلكية البحرية عن طريق الأقمار الصناعية، استخدمه الصليب الأحمر في المنطقة الباكستانية الأفغانية.

على الرغم من هذه النكسات، يمتلك جاكار شبكة علاقات مهمة في الدوائر السياسية والعسكرية والدبلوماسية. وبحسب المعلومات؛ يقف جاكار وراء وصول العميل الإماراتي إلى “ألب سيرفيسيز”، بالإضافة إلى عملاء آخرين مرتبطين بأنغولا أو موناكو.

في 31 تشرين الأول/أكتوبر عام 2020؛ أخبر رولان جاكار محاوره الإماراتي أنه سيذهب إلى العمل الإثنين الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، في “مركز الأزمات” في الإليزيه.

وفي إطار العقد المبرم مع “ألب سيرفيسيز”؛ أرسل رولان جاكار على وجه السرعة رسالة إلى البريد الإلكتروني 842943@protonmail.com، الذي استخدمه الوكيل الإماراتي محمد، ادعى خلالها أنه حصل على معلومات من الأجهزة الأمنية وقصر الإليزيه ومن الرئيس الفرنسي ذاته.

في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020؛ كتب أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أجرى محادثة هاتفية أمس مع أنجيلا ميركل بشأن تركيا في الوقت، الذي هاجم فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الفرنسي في خطابه، مشككا في مدى صحته العقلية. وتابع جاكار: “المحادثة جرت في جو يسوده التوتر، موضحا أن ميركل قررت إجراء مفاوضات مباشرة مع أردوغان، والضغط على العديد من الدول الأوروبية من أجل الانتظار حتى كانون الأول/ ديسمبر قبل فرض عقوبات اقتصادية ضد تركيا”.

في رسالة بريد إلكتروني أخرى، مؤرخة في العاشر من شهر أيلول / سبتمبر سنة 2020؛ أكد رولان جاكار لمحاوره الإماراتي، أنه عقد اجتماعا “خاصّا” في الأسبوع السابق مع مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء جان كاستيكس ووزير الداخلية جيرالد دارمانان ووزير العدل إريك دوبوند موريتي، من أجل أن يُعد “معهم” قانونا ضد الإسلام الراديكالي، وهو القانون الذي يهدف إلى “محاربة الانفصالية” الذي سيتم التصويت عليه في السنة القادمة.

أعلن رولان جاكار للوكيل الإماراتي أن الحكومة ستجري رقابة على الجمعيات التي يحتمل أن تكون مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وسوف يناقش إيمانويل ماكرون علنا إعداد هذا القانون المستقبلي بعد شهر في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2020، خلال خطابه في بلدية ليه مورو في إقليم الإيفلين. وفي رسالته الإلكترونية؛ يزعم رولان جاكار أنه تلقى دعوة، في بداية شهر  تشرين الأول/ أكتوبر، من قِبَل الرئيس ماكرون شخصيّا هذه المرة لمناقشة هذا الموضوع.

وفي رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 إلى 842943@protonmail.com، زعم المستشار جاكار أيضا أنه “قدم” تقارير إلى “وزير الداخلية” بشأن منظمة غير حكومية مستهدفة من قبل العدالة لارتباطها المفترض بالحركة الإسلامية. وأضاف: “بعد البحث، لا تريد المنظمة غير الحكومية إعطاء شفرات الحاسوب. إنهم يقبعون الآن في السجن وتحاول أجهزة المخابرات الفرنسية الحصول على هذه الشفرات”، إلا أن المعلومات كانت قد نُشرت في صحيفة “لوبارزيان” قبل أسبوع.

وأشار جاكار بشكل صريح يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2020، إلى أنه اضطر إلى الذهاب إلى العمل يوم الإثنين الثاني من شهر تشرين الثاني/  نوفمبر في “مركز الأزمات والمساندة” في الإليزيه، دون أي تأكيد. ولدى سؤاله عن هذه التأكيدات؛ أجاب الإليزيه بأنه ليس لديه “معرفة بالحقائق المذكورة”. وكانت حكومتا جيرالد دارمانين وإريك دوبوند موريتي أكثر وضوحا، حيث تشير الوزارتان إلى أنهما لم يكن لهما اتصال برولان جاكارد.

بعد عدة مكالمات هاتفية، لم يرغب رولان جاكار أخيرا في الرد علينا وهددنا باتخاذ إجراءات قانونية، وقد علّق محاميه باتريك ميزونوف: “ألاحظ أن معلوماتك تأتي من عنوان محدد @ protonmail.com” الذي “من الواضح أنه تم اختراقه، مما يشكل جريمة جنائية”.

“ألب سيرفيسيز”، ألكسندر بينالا وسفارة الإمارات

توجد شخصية فرنسية أخرى لا يمكن إنكار قربها من إيمانويل ماكرون هذه المرة، وتظهر أيضا في بيئة “ألب سيرفيسيز”؛ حيث يشارك ألكسندر بينالا الآن في سويسرا في العديد من الأحداث التي تنظمها وكالة ماريو بريرو. ووفقا لمعلوماتنا، بدأ الرجلان العمل معا منذ سنة 2018، بعد إقالة ألكسندر بينالا من مهامه في الإليزيه. ويثني بينالا المستشار السابق للرئيس إيمانويل ماكرون على ماريو بريرو قائلا؛ “إنه شخص ساحر وجذاب ومهني للغاية. لا توجد الكثير من الشركات التي تحتل مكانة عالية في مجال الذكاء الاقتصادي”.

بعد تحويله إلى الخدمات الاستشارية والأمن الخاص، لا سيما في القارة الأفريقية، اعترف ألكسندر بينالا “بناء على طلبات معقدة لم أتمكن من معالجتها أو الاستعانة بمصادر خارجية للآخرين، أرسلت أشخاصا إلى ماريو بريرو”. وبحسب قوله؛ فإن هؤلاء الأشخاص “رجال أعمال أو قادة أعمال” رفض الكشف عن أسمائهم، كما أضاف ألكساندر بينالا أنه لم يتقاض راتبه أبدا من ألب سيرفيسيز وقال: “لقد فعلت ذلك في إطار الصداقة، وفي سياق التبادل المهني للخدمات المتبادلة”. وادعى أيضا أنه لم يكن يعلم أن الوكالة كانت تعمل لصالح الإمارات. أخبرنا في ذلك الوقت أنه “لم يحصل على أجر قط” أو كان له دور “تشغيلي”؛ كان سوف يسترد ببساطة العقد الإماراتي من “صديق”، ويعهد به إلى العديد من المقربين منه.

مذكرة استخباراتية عن فرانسوا فيلون

يعتبر الصحفي الفرنسي من أصل جزائري عثمان تازاغارت، المقرب من رولان جاكار، مراسلا آخر على العنوان 842943@protonmail.com، الذي استخدمه العميل الإماراتي محمد.

فُصل رئيس التحرير السابق لهيئة التحرير الناطقة بالعربية لقناة فرنسا 24 التلفزيونية سنة  2016 بسبب ملاحظات إشكالية، أدلى بها قبل ثلاث سنوات على تلفزيون لبناني موالي لإيران، حيث وصف بشكل خاص التدخل العسكري الغربي في ليبيا بـ”الحرب التي يمولها الصهاينة”، وقال إنه كان ضحية لعصابة دبرها صحفي يعمل لصالح فرانس 24 مقرب من الإخوان المسلمين، وقد تم إدانة القناة.

كتب عثمان تازاغارت بعد ذلك مقالات في مجلة ماريان وتعاون مع  سيمو، وهو “مركز أبحاث” باريسي غير نشط الآن، الذي نشر مقالات تنتقد جماعة الإخوان المسلمين وقطر، تحت إشراف عبد الرحيم علي، النائب المصري المقرب من الديكتاتور عبد الفتاح السيسي. وهو الرئيس الحليف لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يقود بلاده بعد انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين.

أرسل عثمان تازاغارت رسالة بريد إلكتروني بعنوان “فيون” إلى 842943@protonmail.com بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2019. وتحتوي الرسالة على مذكرة عن رئيس الوزراء السابق في حكومة نيكولا ساركوزي والمرشح الرئاسي لسنة 2017، الذي أنهى حياته السياسية بعد قضية الوظيفة الوهمية لزوجته بينيلوبي. يزعم عثمان تازاغارت في رسالته أنه “نجح في جمع” معلومات عن صلات فرانسوا فيون المالية المزعومة بقطر دون تقديم أي دليل، وقد وجّه الاتهامات نفسها ضد دبلوماسي فرنسي مرة أخرى، دون تقديم مصدر ملموس.

من الواضح أن محاوره الإماراتي مهتم للغاية، ويطلب منه معلومات إضافية عن الدبلوماسي المعني؛ فيما رد عثمان تازاغارت يوم 14 أيار/ مايو سنة 2020: “صديقي، لقد تحدثت إليك بالفعل عن فرانسوا فيون في التقرير أدناه. سأرسل لكم غدّا تقريرا أكثر تفصيلا إن شاء الله”.

وفي اتصال مع صحيفة ميديا بارت، أعرب الصحفي السابق في فرانس 24 عن استيائه؛ لأننا حصلنا على رسائل بريد إلكتروني تأتي، حسب قوله، من قرصنة حاسوب الذي يزعم أنه كان ضحية له، التي ينسبها إلى شخص مقرب من جماعة الإخوان المسلمين. وقال الصحفي؛ “إن رسائل البريد الإلكتروني التي تذكرونها تأتي من بياناتي المخترقة، والتي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني أي دون موافقتي […] إن حيازة أو نقل أو الكشف عن هذه البيانات المسروقة هو إخفاء، وسوف يخضع لإجراءات قانونية”.

أخبرنا عثمان تازاغارت كتابيّا أنه “لا يرغب في التعليق على أي تفاصيل أو معلومات من هذا الاختراق”، لكنه مع ذلك وافق على القيام بذلك في نقاط معينة؛ حيث يدعي أنه لا يعرف الوكيل الإماراتي الذي تمكنا من تحديده الذي يستخدم عنوان البريد الإلكتروني 842943@protonmail.com، ويدعي أن هذا العنوان هو عنوان مركز أبحاث إماراتي، باسم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، الذي يتعاون معه، مقابل رسوم  منذ سنة 2019.

يدير محمد عبد الله العلي مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وهو متخصص في الاتصال وقريب من سلطات أبوظبي، وصمم من أجلهم “نظاما متطورا لرصد وتقييم وتحليل جميع المعلومات المتعلقة بالإمارات، التي تنشرها وسائل الإعلام المحلية والدولية”. من غير المستغرب أن يخصص  مركز تريندز جزءا كبيرا من منشوراته لجماعة الإخوان المسلمين.

من جانبه؛ أكد عتمان تازاغارت أن رسالته الإلكترونية عن فرانسوا فيون، لم تكن عملا استخباراتيّا، بل كانت مجرد “مذكرة موجزة” كان سوف يطلبها منه مركز الأبحاث الإماراتي “عشية انعقاد المنتدى”، من أجل تقرير ما إذا كان من المناسب “دعوة أو عدم دعوة” رئيس الوزراء السابق. وأضاف لوسائل الإعلام “لم يكن تحقيقا ولا يوجد شيء سري أو جديد في هذا الشيء. […] تم نشر كل هذه المعلومات بالفعل”، وذلك على الرغم من عدم وجود مقال صحفي يذكر تمويل فرانسوا فيلون من قبل قطر.

وأشار عثمان تزاغارت أيضا إلى أنه لم يرسل قط تقريرا عن الدبلوماسي المذكور بالاسم، خلافا لما أشار إليه محاوره في أيار/ مايو 2020. ولكن مبررات الصحفي تثير تساؤلات؛ حيث لا يظهر اسمه في أي مكان على صفحة الويب حيث تسرد “مؤشرات” قائمة طويلة من الخبراء الأجانب، الذين تعاونوا مع المركز. ويوجد لورينزو فيدينو، الأكاديمي الإيطالي الأمريكي الذي يتقاضى أجره من ألب سيرفيسيز، ولكن هناك أيضا العديد من الفرنسيين، بما في ذلك الجيوسياسي باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.

“لم ننخدع بالضرورة؛ لأننا كنا نعلم بالفعل أنه من المحتمل أن يكون المال من الإمارات، أو حتى من المملكة العربية السعودية”.

عند سؤال موقع ميديابار الفرنسي؛ أكد باسكال بونيفاس أنه كتب مقالا لـترندز، لكنه أشار إلى أنه لم يكتب مطلقا إلى محاوريه داخل المركز على عنوان بروتون مجهول: “لقد تواصلت معهم عبر عناوين بريدهم الإلكتروني المهنية التي كانت بأسمائهم”،  على حد تعبيره.

يرد عثمان تازاغارت بأنه يذهب إلى مقر “ترندز” في أبو ظبي “كل شهرين إلى ثلاثة أشهر” ليساهم على وجه الخصوص مع خبراء آخرين في كتابة موسوعة حول الإخوان المسلمين التي سينشرها المركز. وإذا كانت منظمة ترندز تستخدم بريد بروتون المجهول، ولا يذكر في موقعه أسماء مؤلفي الموسوعة؛ سيكون ذلك لأسباب تتعلق “بالسرية” و”الأمن”، على ضوء “التهديدات التي يواجهها الباحثون العاملون في القضايا المتعلقة بالإسلاموية”، وضحايا “الهجمات الإلكترونية وحملات التشهير”.

هل تستخدم ترندز حقا عنوان البريد الإلكتروني المجهول هذا؟ أم إن المركز الجامعي -بالإضافة إلى أنشطته البحثية-، يُعد غطاء لعمليات الخدمات الإماراتية؟ وتجدر الإشارة إلى أن ترندز لم ترد على هذا السؤال من ميديابار.

نجد عثمان تازاغارت في عملية مضطربة أخرى؛ فيما يتعلق بالصحفيين كريستيان شيسنو (فرنسا إنتر) وجورج مالبرونو (من صحيفة لو فيغارو)، مؤلفي عدة كتب عن قطر.

في كتابهم الأخير، “أوراق قطر”، الذي نُشر في  نيسان/أبريل 2019 من قبل  دار النشر الفرنسية “ميشال لافون”، استندوا إلى وثائق مسربة من منظمة قطر الخيرية غير الحكومية، مخزنة على  جهاز ذاكرة وميضية تم إرساله بالبريد إلى  جورج مالبرونو الصحفي بصحيفة لوفيغارو الفرنسية، بحسب ما ورد على لسان الصحفي عندما صدر الكتاب. تشرح الوثائق بالتفصيل تمويل قطر لحوالي 140 مشروعا لمساجد أو مراكز إسلامية أو مدارس في أوروبا، معظمها بمبادرة من منظمات مرتبطة بالإخوان المسلمين.

بعد وقت قصير من النشر؛ اتصل عثمان تزاغارت بدار نشر ميشيل لافون، وأبرم عقدا مع الناشر، في حزيران/يونيو 2019، لشراء حقوق الكتاب بهدف نشر ترجمات باللغتين العربية والإنجليزية؛ لم يدفع الصحفي المبلغ: بل وقّع عقدا “على أساس توكيل رسمي”، نيابة عن شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية.

المشكلة: تُعد شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية شركة صورية، يقع مقرها الرئيسي في السجل التجاري في منزل في الضواحي شمال لندن، ولا يوجد لدى شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية مكاتب أو موقع  إلكتروني أو رقم هاتف، ولا توظف سوى موظفٍ واحد فقط، ويعد المستفيد الحقيقي من الشركة، توماس أشمان، الذي أدار عشرات الشركات الأخرى.

من أين تأتي الأموال التي دفعتها شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية لشراء الحقوق الأجنبية لكتاب أوراق قطر؟ يجيب جورج مالبرونو لـ”ميديابار”: “عليك أن تسأل عثمان، لكني أتخيل أنهم أناس من دبي أو أبو ظبي”، ويضيف كريستيان شيسنو: “مع جورج، لم ننخدع بالضرورة، لأننا كنا نعلم بالفعل أنه من المحتمل أن يكون المال من الإمارات، أو حتى من المملكة العربية السعودية”. وقد  ذكر الصحفيان -بالإضافة إلى  دار النشر ميشال لافون- أنهم لم يجروا تحقيقات بشأن شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية وأصل أموالها.

ويشير كريستيان شيسنو إلى أنه كان لا يعرف سوى القليل عن عثمان تزاغارت: “هو معاد جدّا للإخوان المسلمين. […] كنت أعرف أنه شخص مقرب من السعوديين والإماراتيين”. ويضيف زميله من صحيفة لو فيغارو: “لقد فهمنا بالطبع أن لعثمان روابط، على الأرجح، بالتأكيد، مع الإمارات”.

في المقابل؛ سمح الصحفيان ببيع الحقوق، طالما أنهما كتبا كتابهما “بطريقة مستقلة تماما”، فيما يوضح جورج مالبرونو: “هذه المعلومات لا تخدم مصالح قطر، ويتم استخدامها من قبل الإمارات، إنها مجرد حرب، والعكس صحيح. نحن لسنا ساذجيْن، نحن نغطي هذه المنطقة منذ خمسة وثلاثين عاما، والمعلومات المعادية لدولة ما يستغلها عدوها […] هذا لا يشكل مشكلة بالنسبة لنا، منذ اللحظة التي كانت الترجمات دقيقة، ولم يكن هناك تشويه المعلومات”.

وتبقى الحقيقة أن الصحفيين تلقيا شخصيّا، بصفتهما مؤلفي كتاب ينتقد قطر، جزءا من الأموال التي دفعتها شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية، إلا أنه من المشتبه أن الأموال جاءت من الإمارات. ألا يشكل هذا مشكلة أخلاقية؟ وبعد أن أعادوا طرح هذه النقطة بالذات، لم يستجيبوا.

رفض عثمان تزاغارت أن يخبرنا من يختبئ خلف شركة الواجهة البريطانية، تم الاتصال عن طريق شركات التوطين التي تستضيفهم، ولم ترد شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية والمدير الصوري التي يديرها.

قامت شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية الغامضة أيضا بتمويل الأنشطة المهنية لعثمان تزاغارت في تموز/يوليو 2019، وأطلقت موقعا إلكترونيا، باسم غلوبال ووتش أناليسيز، الذي ينشر مجلة تسمى سكرين سايفر، وتعد منشوراته “مخصصة للمراقبة الجيوستراتيجي والرقابة الأمنية ومحاربة الإرهاب والتطرف والتعصب بجميع أشكاله”، وتخصص جزءا كبيرا من مقالاتها لانتقاد الإخوان المسلمين.

ومع ذلك؛ فبين تموز/يوليو وتشرين الأول/نوفمبر 2019، كانت شركة نشر غلوبال ووتش أناليسيز هي الشركة الواجهة لشركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية، وتم استبدالها لاحقا بشركة فرنسية تسمى غلوبال ووتش أناليسيز، التي تعود ملكيتها لعثمان تزغارت، لكن الشركة البريطانية الغامضة – أي شركة النشر كانتري ريبورتس – تدفع حوالي  46 ألف يورو سنويا، وفقا “للا لاتر أ”.

لم نتمكن من التحقق من هذه المعلومات؛ لأن غلوبال ووتش أناليسيز تقدم حساباتها بـ”بيان الخصوصية”، بحيث لا يمكن الوصول إليها بشكل عام. يقول عثمان تازاغارت؛ إن هذا ليس من باب “التعتيم”، ولكن “لحماية” المجتمع من “التهديدات المتعددة” للإسلاميين.

بالإضافة إلى تولي مسؤولية الموقع الذي يحمل الاسم نفسه، تعد الشركة الفرنسية غلوبال ووتش أناليسيز دار نشر في حد ذاتها، وفي نهاية المطاف، نشرت غلوبال ووتش أناليسيز بالاتفاق مع شركة النشر الواجهة كانتري ريبورتس بعض الطبعات الإنجليزية والعربية لكتاب كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو. وتم الترويج لإصدار النسخة الإنجليزية خلال مؤتمر صحفي عقد في  كانون الثاني/ يناير 2020 في فندق باريسي بحي الشانزليزيه، بحضور المؤلفين وعثمان تازاغارت.

صدفة: نشرت غلوبال ووتش أناليسيز أيضا النسخة الفرنسية من العمل الأخير عن جماعة الإخوان المسلمين للأكاديمي لورنزو فيدينو، وهو العمل نفسه الذي مُوِّل من قبل وكالة الاستخبارات الخاصة “آلب سيرفيسز”.

نشرت غلوبال ووتش أناليسيز أخيرا، في نيسان/ أبريل 2022، كتاب التهديد العالمي للإخوان المسلمين، وهو ترجمة لتقرير من الكونجرس الأمريكي حول هذا الموضوع، مصحوبا بتحليلات من قبل العديد من الخبراء، بما في ذلك رولاند جاكارد، الذي له علاقة بآلب سيرفيسز والمراسل عثمان تازاغارت، وبالعنوان 842943@protonmail.com.

وأشار عثمان تازاغارت إلى أنه لا صلة له  بـ”ألب سيرفيسيز”، وأنه اختار ببساطة أن يعلق “أفضل المحللين في فرنسا عن هذا الموضوع”، بما في ذلك رولان جاكار، الذي  يعرفه منذ فترة طويلة ومعجب بعمله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.