“ووتش” تدعو لضغوط دولية تجبر الإمارات على الإفراج عن 2400 أفعاني رهن الاحتجاز التعسفي

أبوظبي – يورو عربي| دعت “هيومن رايتس ووتش” السلطات الإماراتية لوقف الاحتجاز التعسفي ما بين 2,400 إلى 2,700 أفغاني منذ 15 شهرا في “مدينة الإمارات الإنسانية”، وهي مركز لوجستي إنساني في أبو ظبي.

وذكرت المنظمة في بيان أنه ينبغي الإفراج بشكل عاجل عن المحتجزين تعسفا وتوفير إجراءات عادلة وفعالة لتحديد وضعهم واحتياجاتهم المتعلقة بالحماية.

في الأسابيع والأشهر التي تلت سيطرة “طالبان” على كابول في 15 أغسطس/آب 2021، أجلت الولايات المتحدة، و”حلف شمال الأطلسي”، والإمارات، وحكومات أخرى عشرات آلاف الأفغان إلى مواقع حول العالم.

ونقلت حكومة الإمارات آلاف الأفغان على متن رحلات مستأجرة خاصة إلى أبو ظبي، ثم نقلتهم إلى مدينة الإمارات الإنسانية و”مدينة تصميم العمالية”، وهي منشأة سكنية أخرى، بانتظار الانتقال إلى بلدان أخرى.

في حين أُعيد توطين الكثيرين لاحقا في الولايات المتحدة وكندا وأماكن أخرى، كان ما بين 2,400 إلى 2,700 أفغاني ما يزالون محتجزين تعسفا في الإمارات حتى أوائل يناير/كانون الثاني 2023.

وقالت جوي شيا، باحثة الإمارات في هيومن رايتس ووتش: “تحتجز السلطات الإماراتية آلاف طالبي اللجوء الأفغان منذ أكثر من 15 شهرا في أماكن مكتظة وظروف مزرية”.

وذكرت أنه دون أمل في إحراز تقدم في قضاياهم.

وفق شيا، “وبعد تعرضهم لصدمة كبيرة أثناء الفرار من أفغانستان، ها هم يواجهون المزيد من الصدمات الآن بعد أن أمضوا أكثر من عام طي النسيان في الإمارات”.

وقابلت هيومن رايتس ووتش 16 أفغانيا محتجزا في مدينة الإمارات الإنسانية في أكتوبر ونوفمبر 2022.

بينهم ثمانية عملوا سابقا في مرحلة ما في هيئات أو برامج تابعة للحكومة الأمريكية في أفغانستان.

وحجبت هيومن رايتس ووتش أسماء من قابلتهم لحمايتهم من انتقام السلطات.

وأفاد الأفغان الذين تمت مقابلتهم بوجود قيود على حريتهم في التنقل، ونقص الإجراءات العادلة والفعالة لتحديد وضع اللجوء والمسارات الآمنة والقانونية للانتقال إلى بلدان أخرى.

وعدا عن نقص المشورة القانونية الملائمة، ونقص الخدمات التعليمية الملائمة للأطفال.

وفي غياب الدعم النفسي، يمرّ العديد من البالغين والأطفال بالاكتئاب وحالات نفسية أخرى.

كما تدهورت الظروف المعيشية بشكل كبير، حيث وصف المحتجزون الاكتظاظ، وتدهور البنية التحتية، وانتشار الحشرات.

وقال أحد الأفغان: “المخيم يشبه السجن تماما”.

وأعرب آخر عن إحباطه الشديد من كون احتجازه إلى أجل غير مسمى، قائلا: “المشكلة الكبرى هي أننا لا نعرف مستقبلنا ولا نعرف وجهتنا”.

المنشأتان السكنيتان حيث يُحتجز الأفغان هما مجمعان سكنيان وافقت الإمارات على تحويلهما إلى منشأة مؤقتة لإسكان اللاجئين تديرها الحكومة.

قال العديد من الأفغان الذين تمت مقابلتهم إنه لا يُسمح لهم بمغادرة المجمع السكني بحرية.

ويسمح لهم بالزيارات الضرورية للمستشفى تحت مراقبة دقيقة من قبل حراس الأمن أو المرافقين من المخيم.

وقالوا إن المرة الأخرى الوحيدة التي سُمح لهم خلالها بمغادرة المخيم كانت عندما اصطحبت السلطات مجموعة إلى مركز تسوق، لكنهم كانوا برفقة الحراس وتحت المراقبة طوال الزيارة.

وبينوا أن حراس الأمن يتمركزون عند بوابات المخيم وفي كل مبنى سكني، وهناك كاميرات أمنية في كل ممر.

وقال السكان إن سلطات المخيم تقيّد بشدة الزيارات إلى المجمع.

قال معظمهم إنه لم يتم إخبارهم بسبب احتجازهم.

وذكر رجل أفغاني أن سلطات المخيم أخبرته أنه بحاجة إلى تأشيرة دخول إلى الإمارات إذا أراد مغادرة المخيم.

لم يذكر أي من المحتجزين الذين تمت مقابلتهم أنه تمكن من الاتصال بمحام منذ وصولهم.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للإمارات ضمان وصول الأفغان إلى المحامين والخدمات القانونية.

قال أولئك الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا يحاولون التقدم بطلب لإعادة التوطين في الولايات المتحدة.

لكن لم تُتَح لهم إجراءات عادلة وفعالة لتحديد وضع اللجوء، أو إجراءات الحماية الدولية الأخرى، أو فرص للانتقال إلى بلد آخر.

وقالوا إن التواصل مع المسؤولين الإماراتيين أو المسؤولين في القنصلية الأمريكية كان مقيدا بشدة.

وكتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارتَي الداخلية والخارجية الإماراتية ووزارة الخارجية الأمريكية لطلب التعليق على النتائج.

ولم تردّ وزارتا الخارجية والداخلية الإماراتيّتان. ردت منسقة شؤون نقل الأفغان في وزارة الخارجية الأمريكية برسالة إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 14 مارس/آذار 2023.

وقالت إن “التزام الولايات المتحدة بنقل جميع الأفغان المؤهلين وإعادة توطينهم هو التزام ثابت.

ويشمل ذلك الأفغان المؤهلين الموجودين في مدينة الإمارات الإنسانية في الإمارات”.

وتقول الرسالة أيضا إن “المسؤولين الإماراتيين فقط هم المسؤولون عن إدارة المدينة الإنسانية، والتحكم بها، وتشغيلها”.

وبحسب المنظمة، ينبغي أن يكون احتجاز المهاجرين تدبيرا استثنائيا يُلجأ إليه كملاذ أخير، ولأقصر فترة، وفقط إذا كان مبرَّرا لغرض مشروع.

وكذلك ألا يُحتَجز الأطفال مطلقا لأسباب تتعلق بالهجرة. قالت هيومن رايتس ووتش إن استمرار احتجاز الأفغان غير ضروري وتعسفي.

وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الأوضاع في المخيم تدهورت منذ بداية وصول الأفغان.

وقالت امرأة إنه، في البداية، “كنا راضين عن الغرفة. لكننا الآن هنا منذ 14 شهرا والحياة صعبة للغاية… تُستخدم نفس الغرفة كغرفة طعام وغرفة معيشة وغرفة نوم والحمام داخل الغرفة”.

وقال رجل إن الغرف لم تُنظف  مطلقا واشتكى من أن غرفته كانت مليئة ببق الفراش.

ووصف السكان ما أسموه تفشي أزمة صحية نفسية بين سكان المخيم.

وقال أحدهم: “من الكبار إلى الأطفال، كلهم يعانون من الاكتئاب، ويزداد الأمر سوءا كلما طال بقاؤهم في المخيم”.

وبموجب القانون الدولي وتوجيهات مفوضية الأمم المتحدة لّلاجئين، ينبغي ألا يُحتجز طالبو اللجوء والمهاجرون لأغراض إدارية ما لم يكن ذلك ضروريا ومتناسبا لتحقيق هدف مشروع.

وفقط في غياب بدائل قابلة للتطبيق، ولأقصر وقت ممكن، بناء على التقييمات الفردية، مع مراعاة الضمانات الإجرائية ووفقا للقوانين والقيود المحددة.

وإذا لم يتم استيفاء هذه المعايير، كما في حالة الأفغان الذين احتجزتهم السلطات الإماراتية في مدينة الإمارات الإنسانية، يكون الاحتجاز تعسفيا.

ووفق “ووتش”، ينبغي للإمارات الإفراج الفوري عن الأفغان الذين تم إجلاؤهم، ولا سيما الأطفال المحتجزين وعائلاتهم.

ودعت أبوظبي لضمان حصول جميع الأفغان الذين تم إجلاؤهم على إجراءات عادلة وفردية لتحديد وضع اللجوء واحتياجات الحماية.

وطالبت بالسماح لهم بالتنقل بحرية والإقامة في المكان الذي يختارونه طوال مدة النظر في قضاياهم، والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الحجز.

وحثت الحكومة الأمريكية على استخدام نفوذها لدى السلطات الإماراتية لحثها على إطلاق سراح الأفغان المحتجزين الذين تم إجلاؤهم.

وناشدت للإسراع بمعالجة طلبات اللجوء الأمريكية المعلقة، أو الإفراج المشروط لأسباب إنسانية، أو غيرها من طلبات التأشيرة المقدمة من الأفغان في الإمارات.

وقالت شيا: “ينبغي للحكومات ألا تتجاهل المحنة المروعة لهؤلاء الأفغان الذين تقطعت بهم السبل في الإمارات”.

وأضافت: “ينبغي للحكومة الأمريكية على وجه الخصوص، التي نسّقت عمليات الإجلاء في 2021.

وعمل معها العديد من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم قبل استيلاء طالبان على السلطة، التعجيل والتدخل فورا لتقديم الدعم والحماية لطالبي اللجوء هؤلاء”.

وقضى الأفغان الذين تم إجلاؤهم والذين تمت مقابلتهم بين عدة أيام وعدة أسابيع مختبئين في كابول قبل أن يخبرهم بالسفر إلى مزار شريف ليتم إجلاؤهم.

وبمجرد وصولهم إلى مزار شريف، أمضوا مرة أخرى ما بين عدة أيام وعدة أسابيع مختبئين قبل أن يقول لهم معارفهم أن يستقلوا طائرة مستأجرة ستغادر أفغانستان.

لم يعرف الكثيرون ممن تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش وجهة الرحلة إلى أن سُلِّموا تذاكرهم في المطار.

عند وصولهم إلى أبو ظبي، نقل المسؤولون الإماراتيون الأفغانَ إلى أحد المجمعين السكنيين بالحافلات، ورافقت الشرطة بعضهم.

وقال أحد الرجال: “نقلونا بالحافلة وكانت هناك سيارة شرطة صغيرة ترافقنا، كما لو كانوا يرافقون سجناء”.

أُغلِقت مدينة تصميم العمالية في نهاية المطاف بعد أن تضاءل عدد الأفغان كثيرا، ونقلت السلطات الإماراتية الباقين هناك إلى مدينة الإمارات الإنسانية.

قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الروح المعنوية داخل المخيمات كانت مرتفعة في البداية.

وقالت إحدى النساء: “في البداية، كان وضعنا جيدا للغاية هنا لأننا قضينا أياما سيئة في أفغانستان، لذا أخيرا، أصبحنا بأمان”.

وأضافت: “الكثيرين اعتقدوا أنهم سيبقون في الإمارات “لأسبوعين إلى شهر كحد أقصى ثم سينتقلون إلى الولايات المتحدة”. إلا أن مشاعر الأمل والتفاؤل “تلاشت بعد أسابيع قليلة”.

كان للأفغان الذين تمت مقابلتهم خلفيات مهنية مختلفة: بعضهم عمل في “المديرية الوطنية للأمن”.

والبعض الآخر شغل مناصب في مختلف الوزارات الحكومية الأفغانية، منها وزارتا التعليم وشؤون المرأة.

شغل آخرون وظائف في مناصب مختلفة لهيئات أمريكية مختلفة في أفغانستان.

من بين الذين تمت مقابلتهم، كان أحدهم يعمل حارس أمن في السفارة الأمريكية وآخر في مغسلة ثياب لقاعدة جوية أمريكية.

الاعتقال التعسفي والقيود على الزوار

وصف الأفغان المحتجزون ظروفا شبيهة بالسَّجن، إذ تنعدم حرية التنقل، وثمة مراقبة ووجود أمني على مدار الساعة، وهم غير قادرين على مغادرة المجمع بحرية.

قال أحدهم: “تريد السلطات أن تقول إن [مدينة الإمارات الإنسانية] صديقة للمهاجرين، لكنها في الحقيقة أشبه بالسِّجن”.

عندما حاول أحد الأفغان المغادرة، أوقفته سلطات أمن المخيم عند البوابة وأخبرته أن عليه تقديم طلب للحصول على تأشيرة دخول إلى الإمارات إذا أراد مغادرة المنشأة بحريّة.

قال المحتجزون في المدينة الإنسانية إنهم لم يتمكنوا من استقبال الزوار. قال أحد الأفغان: “لا يُسمح لنا بالخروج، ولا يسمح لمن هم في الخارج بزيارتنا”.

يجب أن يحصل المقيمون على إذن مسبق لأي زائر عبر تقديم طلب زيارة أولا مع المستندات إلى موظفي استقبال المخيم.

قال أولئك الذين تمت مقابلتهم والذين تقدموا بطلبات إن هذه الطلبات رُفضت.

قال رجل إن لديه صديقا في دبي “كان يحاول زيارتي وإحضار ملابس لي” لكن “لم يُسمح له بذلك”.

صديقه “اتصل بمديرية التحريات والتحقيقات الجنائية وأخبروه عبر الهاتف أنه غير مسموح له” بزيارته.

قال شخص آخر: “جاء ابن عمي إلى المخيم، وفي المخيم طلب الإذن بالدخول وزيارتي. لم يسمحوا له بزيارتي ولم يسمحوا له بإعطائي الملابس والطعام”. و”أرجعته” سلطات المخيم.

قال من تمت مقابلتهم أيضا إنه كان من الصعب طلب اجتماعات وعقدها مع المسؤولين الأمريكيين.

قالوا إنهم اضطروا إلى تقديم الطلبات من خلال مسؤولين إماراتيين ولم يتمكنوا من الحصول على اجتماع إلا بعد طلبات متكررة، وانتظار طويل، ومتابعات متعددة.

قال البعض إنهم لم يعقدوا أي اجتماعات أو مواعيد مع مسؤولين أمريكيين أو حكوميين آخرين منذ وصولهم.

الظروف في المدينة الإنسانيّة

يحصل سكّان المخيّم على غرفة صغيرة لكلّ أسرة. تُوضَع الأسر معا في غرف فرديّة وفي قاعات مع أسر أخرى، أما الرجال غير المتزوّجين فيُحتجزون في غرف مشتركة مع رجال غير متزوّجين آخرين.

قال أحد الأفغان: “المشكلة الكبرى هو أنّ الغرف صغيرة جدّا: أربعة بأربعة أمتار، والأبواب بلا أقفال. لا توجد خصوصيّة، ولا أشعر بالراحة عند النوم في غرفتي”.

قال الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات إنّ غياب الأقفال على الأبواب يتسبّب في مخاوف بشأن سلامة النساء والفتيات.

قالت إحدى النساء: “لا تشعر المرأة بالأمان عندما لا يكون الباب موصدا ليلا”.

كما عبّروا عن قلقهم بشأن جودة الطعام ونوعه. قال أحدهم: “الطعام رديء، ويُقدّم باردا دائما”، أنّ الطعام “فيه توابل قويّة والناس في أفغانستان غير متعوّدين على هذه البهارات، لذلك يعانون جميعا من مشاكل في المعدة بسبب الطعام”.

لا يوجد طعام مخصّص لمن لديه أمراض. قال أحد الرجال إنّه أصبح لديه السكري أثناء الاحتجاز: “من المفترض أن أتحكّم في ما أتناوله، لكن هذا غير ممكن”.

قال الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات إنّهم تسلّموا مساعدات مالية صغيرة من الإمارات. قالت الأسر إنها استلمت دفعتين بمناسبة العيد بمبلغ إجمالي قدره 500 درهم [136 دولار].

يبدو أنّ بعضهم عاد إلى أفغانستان بسبب هذه الظروف. قال أحد الرجال: “أراد زميلي في السكن العودة إلى أفغانستان، فعاد. لقد كان يائسا من الانتقال إلى بلد آخر، ولذلك قرّر العودة”.

بحسب رسالة وزارة الخارجية الأمريكية التي تم تلقيها في 14 مارس/آذار، “عاد عدد صغير من الأفغان طوعا إلى أفغانستان”.

قال آخر إنّ “العديد من الأشخاص عادوا إلى أفغانستان. أعرف خمسة رجال كانوا يقيمون في نفس المبنى الذي كنت أقيم فيه”.

لم يحصل الأطفال المحتجزون في المدينة الإنسانية على تعليم مناسب منذ قدومهم.

قال والد لثلاثة أطفال أعمارهم 13، و15، و16 عاما إنّ أطفاله لا يذهبون إلى المدرسة لأنّه لا يتوفر لهم تعليم مفيد.

التعليم المتاح هو فقط فصل فيه رسم، وتعليم أساسيات اللغة الإنغليزية، وألعاب للأطفال.

قالت والدة أخرى إنّ أطفالها “فقدوا الاهتمام وتوقفوا عن الذهاب” إلى الفصل مؤخرا. وأضافت: “[التعليم] غير احترافي، لذا يشعر الأطفال بالملل ولا يريدون الذهاب”.

الرعاية الطبيّة والدعم النفسي

قال الأفغان إنّهم يحصلون على رعاية طبيّة ويتواجد أطباء وممرضون في المدينة الإنسانية.

قال بعض الذين يسكنون هناك إنهم راضون عن الرعاية الصحيّة التي تلقوها منذ وصولهم.

لكنّ آخرين قالوا إنهم واجهوا صعوبات في تلبية احتياجاتهم الصحيّة المزمنة أكثر، لا سيما الذين يحتاجون إلى رعاية متخصّصة.

قال أحد الأفغان: “ساءت الخدمات الصحيّة. كانوا في الماضي ينقلون الناس إلى المستشفى عندما يحتاجون إلى رعاية

لكن الآن باتوا ينقلون الحالات الطارئة فقط”. قال آخر: “الخدمات الطبيّة ضعيفة للغاية”.

في الحالات الطبية الطارئة، ينقل الموظفون وحرّاس المجمّع الأفغان إلى المستشفيات القريبة، ويُبقونهم تحت الرقابة ثم يُرجعونهم إلى المخيّم عند تسريحهم.

في 17 أكتوبر توفي القاضي السابق في المحكمة العليا الأفغانية سيد يوسف حليم في المخيّم بسبب نوبة قلبية على ما يبدو أثناء الصلاة.

قال رجل يعرفه إنه “كان وحيدا ومكتئبا، فقد مكث هنا لسنة دون أسرته”.

معظم الأفغان الذين أجريت معهم مقابلات تحدّثوا عمّا أسموه أزمة الصحّة النفسية في المدينة الإنسانيّة. قالوا إنّ الاكتئاب الحادّ منتشر لدى البالغين والأطفال على حدّ سواء.

قال أحدهم: “الحياة صعبة جدا داخل المخيّم، فالناس مكتئبون ولا يخرجون من غرفهم… في البداية كانت هناك أصوات البالغين وأصوات الأطفال

أما اليوم فلا أحد يغادر غرفته، والجميع يبقون في الداخل”. قال السكّان إنّ المخيّم يفتقر إلى خدمات الدعم النفسي اللازمة.

قال آخر إنّ “التوتر والقلق شائعان بين كل المهاجرين. حتى الأطفال مكتئبون”.

علمت هيومن رايتس ووتش بمحاولة انتحار واحدة على الأقلّ في المدينة الإنسانيّة.

قال رجل مطلع على الحادثة إنّ الشخص المعنيّ نُقل إلى المستشفى بعد المحاولة

لكنه “مازال يعاني من مشاكل نفسيّة، فالمشاكل التي ]دفعته/ها[ إلى ذلك ما زالت قائمة، ولم يفعل أحد أي شيء بشأنها”.

قال الأشخاص الذين قابلناهم إنّ خدمات الدعم النفسي غير متوفرة.

قال أحد الرجال: “هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسيّة، ولا يحصلون على أي دعم من أيّ كان. يحصلون فقط على حبوب تساعدهم على النوم”.

وضع اللجوء

حتى سبتمبر/أيلول 2022، قبلت الحكومة الأمريكيّة حوالي 88,500 أفغانيا في إطار “عمليّة الترحيب بالحلفاء”

رغم أنّ آلافا آخرين ظلّوا عالقين في الخارج. وفقا لتقارير إخباريّة

وخلافا لأكثر من 70 ألف أفغاني تمّ اجلاؤهم بشكل مباشر وقُبلوا في الولايات المتحدة في 2021، فإنّ الأفغان الذين سافروا جوّا إلى الإمارات.

بعد 31 أغسطس/آب 2021 واجهوا إجراءات أبطأ بشأن الهجرة على أساس كلّ حالة على حدة، ودون أي ضمانات بشأن القبول وإعادة التوطين في الولايات المتحدة.

أشار مسؤولون حكوميون أمريكيون إلى أنّ الأفغان الذي تم إجلاؤهم إلى الإمارات قبل 31 أغسطس/آب 2021 حصلوا فعليا على إذن بدخول الولايات المتحدة,

بعد اجتياز الفحوص الطبيّة والأمنيّة، لكن الذين وصلوا بعد ذلك التاريخ كانوا مطالبين بإثبات أهليتهم للحصول على التأشيرة الأمريكية أو وضع اللجوء.

كما أشارت تقارير إخباريّة إلى أنّ الإمارات ربما وافقت مؤقتا على استضافة عدّة آلاف من الأفغان الذين تمّ إجلاؤهم.

وذلك أساسا بسبب شراكتها الأمنيّة الوثيقة مع الولايات المتحدة.

حتى سبتمبر/أيلول 2022، نقلت وسائل الإعلام أنّ أكثر من 10 آلاف أفغاني نُقلوا من الإمارات إلى الولايات المتحدة، وأعيد توطين آخرين في أماكن أخرى.

أعلنت الحكومة الأمريكية عن سياسة معدّلة بشأن الأفغان (“الترحيب الدائم”)، دخلت حيّز التنفيذ في أكتوبر.

ومن شأنها إنهاء معظم عمليّات نقل الأفغان إلى الولايات المتحدة بموجب السراح الإنساني.

وذلك التركيز بدل ذلك على المسارات التي تؤدي إلى “وضع دائم طويل الأجل”، مثل لمّ شمل الأسرة، وتأشيرات الهجرة الخاصة، والإحالات ذات الأولوية إلى “برنامج قبول اللاجئين الأمريكي”.

في ذلك الوقت، كان 5 آلاف أفغاني على الأقل ما يزالون في المدينة الإنسانية في الإمارات.

وفي سبتمبر/أيلول 2022 أفادت تقارير أن كندا وافقت على إعادة توطين 1,500 منهم بطلب من الولايات المتحدة.

لكن أفادت تقارير أن بعض الأفغان الذين تمّ اجلاؤهم إلى الإمارات ليس لديهم طلبات لجوء معلّقة أو مسارات للانتقال إلى أيّ دولة أخرى، ما يتركهم في مأزق قانوني.

الإمارات نفسها ليست من الدول الموقعة على “اتفاقية اللاجئين” لعام 1951 وليس لديها نظام لجوء، والمسارات الأخرى للحصول على إقامة طويل المدى للأفغان محدودة للغاية.

تمّ تصوّر المدينة الإنسانية كحلّ مؤقت لتأمين عبور طارئ للأفغان الفارّين من بلادهم بعد سيطرة طالبان عليها في أغسطس/آب 2021.

توصيات

وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ الأفغان الذين يصلون إلى الإمارات وغيرها من البلدان التي يُقصد أن تكون أماكن عبور ينبغي تمكينهم بسرعة من الحصول على حق اللجوء وإجراءات الحماية الدوليّة

ينبغي لوزارة الداخليّة الإماراتية إطلاق سراح الأفغان الذين تمّ اجلاؤهم، وضمان منحهم إجراءات عادلة وفردية للنظر في طلبات اللجوء واحتياجات الحماية

والسماح لهم بالتنقل بحريّة والإقامة في المكان الذي يختارونه طوال المدّة التي يستغرقها النظر في ملفاتهم.

وذكرت : “يجب التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في المدينة الإنسانيّة وتحديد الأطفال وإطلاق سراحهم مع عائلاتهم عاجلا.

ودعت لتوفير بدائل آمنة للاحتجاز يُمكن للوكالات الإنسانية الوصول إليها بشكل منتظم.

وحثت على تحديد النساء الحوامل والمرضعات والإفراج عنهن بما يتماشى مع المبادئ التوجيهيّة الدولية الخاصة باحتجاز طالبي اللجوء.

ينبغي للحكومة الأمريكيّة توظيف نفوذها لدى السلطات الإماراتيّة لحثها على إطلاق سراح الأفغان الذين تمّ اجلاؤهم

وكذلك ضمان منحهم إجراءات عادلة وفردية للنظر في طلبات اللجوء واحتياجات الحماية.

وأيضا السماح لهم بالتنقل بحريّة والإقامة في المكان الذي يختارونه طوال المدّة التي يستغرقها النظر في ملفاته.

وكذلك والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في المدينة الإنسانيّة.

ينبغي للحكومة الأمريكيّة أيضا، بما في ذلك “مصلحة الجنسيّة والهجرة” الأمريكية وغيرها من الوكالات ذات الصلة.

مع تسريع معالجة طلبات اللجوء المعلّقة، أو طلبات السراح الإنساني، أو غيرها من طلبات التأشيرة التي يقدّمها الأفغان في الإمارات.

وطالبت بضمان حصول الأفغان على شرط الأهليّة للتقدّم على برامج إعادة التوطين الأمريكيّة الموجهة إلى الفئات المعرّضة للخطر. ينبغي إتاحة المساعدة القانونيّة حيثما أمكن.

ووفق المنظمة، ينبغي للدول المعنيّة بإعادة التوطين زيادة الأماكن لطالبي اللجوء الأفغان الموجودين في الإمارات.

وناشدت ووضع مسارات تكميلية وسخيّة لتحقيق هجرة آمنة، وقانونيّة، ومنظمة للأفغان في الإمارات تستهدف لمّ شمل الأسر، والتعليم، والتوظيف.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي للحكومة الإماراتيّة ضمان حصول طالبي اللجوء الأفغان على الرعاية الصحيّة الملائمة، بما فيها الدعم النفسي-الاجتماعي.

ينبغي أن يكون الدعم المتخصّص متاحا ومناسبا من الناحية الثقافية واللغوية والعمريّة، بما في ذلك للأشخاص ذوي الإعاقة، والمسنين، والأطفال، والأشخاص الذين لديهم حالات نفسية.

كما ينبغي أن يأخذ وضع البرامج أيضا بعين الاعتبار احتياجات الصحة النفسيّة للوافدين الجدد.

بما في ذلك الصدمة الناجمة عن الترحيل القسري والمصاعب التي ربما واجهوها قبل مغادرة أفغانستان وبعدها.

طوال بقاء الأطفال في المدينة الإنسانيّة، ينبغي للإمارات أن تضمن فورا منحهم تعليم جيّد، وشامل، ومناسب، ومندمج في نظامها التعليمي الوطني.

ينبغي توفير التعليم للأطفال في جميع المستويات والأعمار – وليس فقط الأطفال الصغار – وأن يكون متاحا لجميع الأفغان في المجمّع، وأثناء تواجدهم في الإمارات

وبعد إطلاق سراحهم من الاحتجاز.

كما ينبغي أن تكون دروس اللغة وغيرها من أنواع التعليم متاحة للأفغان البالغين الذين تم اجلاؤهم طيلة وجودهم في الإمارات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.