في مشهد سياسي متقلب، يواجه الاتحاد الأوروبي حالة من الاضطراب، وسط أزمة قيادية حادة في ألمانيا التي تعد أحد أعمدة الاتحاد.
وعلى الرغم من فوز فريدريش ميرز في الانتخابات ليصبح مستشارًا لألمانيا في اقتراع ثانٍ، إلا أن الطريق الذي يسلكه مليء بالعقبات.
في 6 مايو 2025، كانت الآمال كبيرة بأن تكون ألمانيا قد استعدت لمرحلة جديدة من القيادة الأوروبية بعد تعيين فريدريش ميرز. غير أن النتيجة كانت محبطة، حيث رفض أعضاء البوندستاغ (البرلمان الألماني) تعيينه بشكل غير مسبوق رغم إبرام اتفاق الائتلاف، مما ألحق ضررًا سياسيًا بالغًا ببداية حكومته. ورغم فوزه في الجولة الثانية من الاقتراع، أقر الخبراء بأن “الضرر السياسي قد وقع”، وفقًا لما ذكرته كاتيا هوير، الأكاديمية والخبيرة في الشؤون الألمانية.
منذ سنوات، عانت ألمانيا من تردد في أداء دورها القيادي التقليدي في الاتحاد الأوروبي. فقد فشل المستشار السابق أولاف شولتز في تقديم دعم حاسم لأوكرانيا ضد الهجوم الروسي، وعجز عن اتخاذ خطوات كبرى لإصلاح السياسة الدفاعية الأوروبية. هذه الترددات عكست انقسامًا داخليًا، وكان للقيادة الضعيفة تبعات خطيرة على استقرار الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك، سعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى التحفيز بتوجيه تهنئة رسمية لميرز على توليه منصب المستشار، آملاً في رؤية “مزيد من القيادة الألمانية في الشؤون الأوروبية وعبر الأطلسي”. لكن يبدو أن هذا الأمل قد يصطدم بالواقع، حيث أظهرت السياسة الداخلية الألمانية تصدعات عميقة قد تؤثر على قدرة ميرز على قيادة الاتحاد الأوروبي.
التحديات الاقتصادية والهجرة تشكل تهديدًا داخليًا
على صعيد الداخل الألماني، تواجه حكومة ميرز تحديات اقتصادية ضخمة. الاقتصاد الألماني يعاني من ركود، والصناعة التقليدية تواجه مشاكل جمة، بينما يبقى موضوع الهجرة قضية مثيرة للجدل في السياسة الداخلية. في هذا السياق، يعكس صعود حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف هذا الانقسام العميق في المجتمع الألماني، حيث حصل الحزب على نسبة 21% من الأصوات في انتخابات فبراير، مما يشكل تهديدًا مستمرًا للحكومة الجديدة.
والتحديات الألمانية تتوازى مع الأزمات في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مثل فرنسا التي شهدت انتخابات مبكرة فشلت في حسم الأمور لصالح القيادة المركزية. حيث أسفر قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإجراء انتخابات مبكرة عن برلمان معلق عاجز عن اتخاذ القرارات، ما يعكس فشلًا آخر في إرساء استقرار الاتحاد الأوروبي.
ميرز: هل هو الزعيم المنتظر؟
الشكوك حول قدرة ميرز على قيادة ألمانيا والاتحاد الأوروبي تزداد وضوحًا، خاصة بعد العديد من الأخطاء السياسية التي ارتكبها. في وقت سابق من العام، قام ميرز بالمخاطرة بالتحالف مع حزب البديل لألمانيا في إجراءات الهجرة، وهو ما أدى إلى تراجع شعبية حزبه، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بينما عزز تقدم حزب البديل لألمانيا. كما أن تصريحاته الصريحة حول ترامب وحلف شمال الأطلسي تعكس تذبذبًا في مواقفه.
ويرى العديد من المراقبين أن ميرز قد يواجه مصيرًا مشابهًا لميركل التي كانت قد منعته سابقًا من تولي مناصب رفيعة، متهمة إياه بعدم الكفاءة. إذا كانت هذه المخاوف في محلها، فقد تكون أوروبا أمام تحدٍ أكبر: زعيم ضعيف قد يعجز عن إنقاذ الاتحاد الأوروبي من الأزمات المتلاحقة.
في النهاية، تمثل بداية ميرز في منصب المستشار الألماني اختبارًا حقيقيًا للاتحاد الأوروبي. فبينما تبدو السياسة الألمانية غارقة في الصراعات الداخلية، يتساءل الجميع: هل سيكون بإمكان ميرز أن يعيد ألمانيا إلى طليعة القيادة الأوروبية، أم أن ضعف قيادته سيجعل أوروبا تدفع الثمن؟
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29274