تراجع الأسهم وسط تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية مشددة على أوروبا وأبل

شهدت الأسواق المالية الأمريكية يوم الجمعة موجة بيع قوية، حيث تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.61%، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.67%، ومؤشر ناسداك المركب بنسبة 1%، بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته التجارية الأخيرة التي تسببت في حالة من القلق بين المستثمرين. وجاء هذا التراجع في ظل إعلان ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من الأول من يونيو، بالإضافة إلى دراسة فرض رسوم بنسبة 25% على هواتف آيفون المنتجة خارج الولايات المتحدة.

خلال الأسبوع، تكبدت مؤشرات الأسهم الرئيسية خسائر ملحوظة، حيث خسر مؤشر داو جونز 2.47%، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.61%، وتراجع مؤشر ناسداك بنسبة 2.48%. كما تأثرت العملات، حيث انخفض الدولار الأمريكي بنسبة 1% مقابل الين الياباني، في حين ارتفع اليورو بنسبة 0.8% مقابل الدولار، فيما سجل مؤشر الدولار أدنى مستوى له خلال ثلاثة أسابيع، مع انخفاض إجمالي بنسبة 1.9% خلال الأسبوع.

وقال نايجل جرين، الرئيس التنفيذي لشركة ديفير جروب العالمية للاستشارات المالية: “هذه ليست خدعة استراتيجية، بل تهديد مزعزع للاستقرار يمكن أن يسبب ضررًا حقيقيًا ودائمًا”. وأضاف أن الأسواق قلقة من تأثير التهديدات التي قد تؤدي إلى تآكل مصداقية الولايات المتحدة على الساحة العالمية، إلى جانب مخاوف متزايدة من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود.

وكان ترامب قد كتب على شبكته الاجتماعية “تروث سوشيال” أن الاتحاد الأوروبي، الذي تأسس بهدف الاستفادة من الولايات المتحدة في التجارة، كان “من الصعب للغاية التعامل معه”. وتأتي هذه التصريحات في وقت تراجعت فيه تصنيفات الائتمان الأمريكية، حيث خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة مؤخرًا، وسط مخاوف من زيادة الدين العام، بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي لتخفيضات ضريبية موسعة من المتوقع أن تزيد الدين الفيدرالي بمقدار 4 تريليونات دولار على خلفية ديون الحكومة التي تصل إلى 36 تريليون دولار.

على صعيد الملاذات الآمنة، ارتفع سعر الذهب بنسبة 2.14% ليصل إلى 3364.74 دولارًا للأوقية، فيما شهدت السندات الحكومية الأمريكية إقبالاً من المستثمرين الباحثين عن الأمان، بعد تعرضها لضغوط شديدة هذا الأسبوع بسبب المخاوف المرتبطة بسياسات ترامب الضريبية وتراكم الدين. وانخفض عائد السندات الأمريكية لأجل 30 عامًا بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2023، بينما تراجع عائد السندات لأجل 10 سنوات، ما يعكس تحوّل المستثمرين نحو الأصول الأكثر أمانًا.

وتأثرت أسهم شركة أبل بشكل كبير، حيث تراجعت بنسبة 3%، بعد إعلان ترامب نيته فرض رسوم جمركية على هواتف آيفون المصنوعة خارج الولايات المتحدة. وقد أكد ترامب في منشور على “تروث سوشيال” أنه أبلغ الرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك منذ فترة طويلة بأن “هواتف آيفون التي ستُباع في الولايات المتحدة يجب أن تُصنع في الولايات المتحدة وليس في الهند أو أي مكان آخر”. تأتي هذه الخطوة في إطار محاولات ترامب المتكررة للضغط على الشركات الكبرى لنقل خطوط إنتاجها إلى الداخل الأمريكي، بعد حملات مماثلة استهدفت قطاعات السيارات والأدوية والرقائق الإلكترونية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة تكلفة هواتف آيفون بمئات الدولارات.

في تصريحات داخل المكتب البيضاوي، أوضح ترامب أن التعريفات الجمركية على هواتف أبل ستشمل أيضًا شركات أخرى مثل سامسونج، في إشارة إلى الهواتف الذكية المنافسة، مع توقع تطبيق الرسوم بحلول نهاية يونيو. يذكر أن البيت الأبيض قد أوقف معظم الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب في أبريل على معظم الدول، مع الإبقاء على ضريبة أساسية بنسبة 10% على معظم الواردات وخفض ضريبة السلع الصينية من 145% إلى 30%.

يرى خبراء في المجال الاقتصادي أن هذه السياسات قد تؤدي إلى أضرار كبيرة للاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل. وقال نايجل جرين: “هذا اقتصاد سيء ودبلوماسية سيئة. لا يمكن الاستمرار في التهديد بفرض رسوم جمركية ضخمة على الحلفاء مع توقع الحفاظ على المصداقية. العالم يراقب وبدأ يقيم مستقبلًا تكون فيه السياسة التجارية الأمريكية متهورة وغير موثوقة”. وأضاف أن هذه التهديدات العشوائية قد تؤدي إلى تآكل الثقة بمصداقية الولايات المتحدة كشريك اقتصادي موثوق، مع تأثيرات تمتد لما بعد التفاعلات الفورية للأسواق.

في ظل هذه التوترات، تظل الأسواق المالية على أهبة الاستعداد للتطورات القادمة، مع مراقبة المستثمرين عن كثب لأي إشارات على تهدئة الأجواء التجارية أو تصعيدها، مما سيحدد مسار الاقتصاد الأمريكي والعالمي في الأسابيع والأشهر المقبلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.