في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة توجيه تحالفاتها الدفاعية وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وقّعت كندا والاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية جديدة، على هامش القمة العشرين بين الطرفين في العاصمة البلجيكية بروكسل.
ووقع الاتفاقية رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، الذي أكد في مؤتمر صحفي مشترك مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن الاتفاقية تمثل “بداية جديدة” في مسار التعاون الأمني بين كندا وأوروبا، في وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية والعسكرية على المستوى الدولي.
دوافع كندية استراتيجية
وتأتي الاتفاقية في أعقاب التهديدات المتكررة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق والحالي دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية وخطابه السياسي، والتي لوّح فيها بإمكانية تقليص التزامات واشنطن الدفاعية تجاه حلفائها، بل وحتى “ضم” كندا في تصريحات مثيرة للجدل. ودفعت هذه التحولات السياسية أوتاوا إلى البحث عن مظلة دفاعية متعددة الأطراف خارج الولايات المتحدة.
وقال كارني: “سيساعدنا هذا التعاون مع الاتحاد الأوروبي على تلبية متطلباتنا الدفاعية الجديدة بسرعة وفعالية، مع تعزيز صناعاتنا الوطنية وتأمين مصالحنا السيادية”.
شراكة ضمن مشروع “SAFE”
الاتفاقية الجديدة ستُمكّن كندا من الانخراط في برنامج “العمل الأمني من أجل أوروبا” (SAFE) التابع للاتحاد الأوروبي، والذي تصل قيمته إلى 150 مليار يورو. ويركز البرنامج على تمويل مشاريع إعادة تسليح الدول الأوروبية، ويتيح لبعض الدول الحليفة الموثوقة المشاركة في عمليات الشراء المشتركة وتنسيق الإنتاج الدفاعي.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “وجود كندا إلى جانبنا خطوة مهمة، إنها مجرد البداية. ستكون هذه الشراكة مفيدة لصناعاتنا وشعوبنا، وستعزز الأمن عبر الأطلسي”.
دعم لأوكرانيا وتنسيق عسكري
وسيشمل التعاون الكندي-الأوروبي مجالات عديدة، من بينها:
تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي المستمر.
تحسين التوافق العملياتي بين القوات الكندية والأوروبية.
تسهيل حركة المعدات والأفراد والإمدادات العسكرية بين كندا ودول الاتحاد الأوروبي.
كما ستعمل الاتفاقية على توسيع مشاركة كندا في مشاريع “PESCO”، وهي المبادرة الأوروبية للتعاون الهيكلي الدائم في المجال الدفاعي، خاصة في مجال التنقل العسكري الذي يهدف إلى تسهيل حركة القوات عبر أوروبا.
مستقبل مشترك في مجالات الفضاء والدفاع
وأكد كارني، خلال المؤتمر الصحفي، أهمية تعزيز التعاون في الصناعات ذات الاستخدام المزدوج والمجال الفضائي، مشيرًا إلى أن كندا مهتمة بتوسيع نطاق التعاون الدفاعي ليشمل القطاعات التكنولوجية المتقدمة، خاصة في ظل تطور التهديدات السيبرانية والفضائية.
كما اتفق الجانبان على عقد حوار سنوي حول الأمن والدفاع، واستكشاف إمكانية إبرام ترتيب إداري بين كندا ووكالة الدفاع الأوروبية، لتعميق التنسيق وتبادل المعلومات والخبرات.
الناتو لا يزال حجر الأساس
رغم هذه الخطوة الطموحة، شدد المسؤولون على أن حلف الناتو يبقى “حجر الزاوية” للدفاع الجماعي الغربي. وقال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا: “هذه الشراكة مع كندا تعزز من قدراتنا وتسرّع استجابتنا، لكنها لا تمثل بديلًا عن الناتو، بل مكملاً له”.
وتعكس الاتفاقية تطورًا نوعيًا في العلاقات الكندية الأوروبية، وتمهد لتعاون أعمق في ظل بيئة دولية معقدة ومتحولة. وفي الوقت الذي تسعى فيه أوروبا لبناء استقلالية استراتيجية، ترى كندا أن تحصين أمنها القومي بات يتطلب تنويع تحالفاتها بما يتجاوز الجغرافيا التقليدية.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29383