عندما ضربت القاذفات الأمريكية المنشآت النووية الإيرانية الأسبوع الماضي بأوامر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يكن الضرر مقتصرًا على إيران وحدها، بل امتد ليكشف وبقسوة عن هامشية أوروبا في أزمات الشرق الأوسط.
بينما كانت العواصم الأوروبية تبذل جهودًا محمومة في الكواليس لمنع التصعيد، بدا واضحًا أن واشنطن تمضي وحدها، متجاهلة حلفاءها التقليديين عبر الأطلسي. ولم يكن الأمر مجرد إهانة دبلوماسية، بل أثار شكوكًا أكثر خطورة: هل استخدم ترامب الأوروبيين عمدًا كطُعم لخداع إيران وإيهامها بأن العمل العسكري ليس وشيكًا؟
أوروبا خارج الحسابات
في الأيام التي سبقت الضربة، كانت القوى الأوروبية الثلاث — بريطانيا، فرنسا، وألمانيا — تبذل ما بوسعها لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات. وعقدت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3)، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، محادثات طارئة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في جنيف يوم 20 يونيو. وبدا للحظة أن ثمة فرصة للدبلوماسية، خاصة بعد بيان مفاجئ من البيت الأبيض أشار إلى تردد ترامب في اتخاذ قرار عسكري سريع.
لكن في اليوم نفسه، أمر ترامب قاذفاته B-2 بالإقلاع لقصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية. ترك ذلك الأوروبيين في حالة من الذهول، حيث اعترف مسؤولون كبار في لندن وبرلين أنهم علموا بالهجوم فقط بعد وقوعه.
قال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، في مقابلة تلفزيونية: «لقد تم إبلاغي بالقصف تمامًا مثل زميلي البريطاني ديفيد لامي، بعد الهجوم وليس قبله». وفي لندن، أكد مسؤولون بريطانيون أنهم تلقوا «إشعارًا» قبل الضربة، لكنه كان إشعارًا متأخرًا للغاية، بدا وكأنه إجراء شكلي لا أكثر.
ترامب والمناورة الأوروبية
بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، فإن تصريح ترامب بأنه سيمنح مهلة أسبوعين لاتخاذ قرار بشأن ضرب إيران كان مجرد تضليل مخطط بعناية. ففي حين كان الأوروبيون يضغطون لإحياء المسار الدبلوماسي، كانت واشنطن تستعد لشن الهجوم بالفعل. قال أحد المسؤولين الأوروبيين: «لقد كنا نتفاوض بينما كانت الطائرات تستعد للإقلاع. لم نكن حتى جزءًا من اللعبة».
هذا الشعور بالتهميش عززه ما كشفته سنام فاكيل، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بمركز تشاتام هاوس في لندن، حين قالت إن الضربات الأمريكية أظهرت «تراجع النفوذ، إن لم يكن الهامشية التامة، للقوى الأوروبية في المنطقة».
العواقب السياسية
بعيدًا عن الملف النووي الإيراني، تشهد العلاقات الأوروبية مع إسرائيل توترًا حادًا بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، الذي تسبب في أزمة إنسانية خانقة تهدد آلاف الفلسطينيين بالمجاعة. وخلصت مراجعة أجرتها كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إلى أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان قد تخرق اتفاقية الشراكة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي.
لكن حتى هذه المواقف الأوروبية لا تلقى آذانًا صاغية في تل أبيب. إسرائيل لم تعد تبالي بالتحذيرات الأوروبية، بل وصفت قرار الاتحاد الأوروبي بمراجعة العلاقات في وقت الحرب بأنه «مشين وغير لائق». وبات من الواضح أن نفوذ أوروبا على إسرائيل قد تلاشى إلى حد كبير، مع تزعزع مصداقية بروكسل في عيون حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية.
فقدان النفوذ
خلال العقد الماضي، ظلت أوروبا تعتبر نفسها لاعبًا محوريًا في الشرق الأوسط، سواء عبر اتفاقيات نووية أو برامج مساعدات للفلسطينيين أو وساطات دبلوماسية. لكن الضربة الأمريكية الأخيرة جاءت بمثابة صفعة موجعة، كشفت أن أوروبا قد تحوّلت فعليًا إلى مراقب لا حول له ولا قوة.
يحاول المسؤولون الأوروبيون التخفيف من وطأة الأمر، حيث قال مسؤول ألماني رفيع: «لكل صراع جانب عسكري وجانب دبلوماسي. نحن نعلم أن الأمريكيين لا يزالون مهتمين بالمسار الدبلوماسي. وما زالت تفاهماتنا معهم مهمة».
لكن هذه التطمينات لا تغيّر حقيقة أن أوروبا اليوم تجد نفسها على الهامش، تُنفق المليارات في برامج مساعدات وتأمل أن يُسمح لها بالمشاركة في تسويات كبرى لا يملك الأوروبيون مفاتيحها.
وفي عالم تُحسم فيه السياسات بالقوة العسكرية أو قرارات أحادية من واشنطن، يبدو أن أوروبا تواجه واقعًا مؤلمًا: لم تعد مهمة كما كانت في الشرق الأوسط.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29396